كونهم ليسوا بمقلدين، فلأنه لم يُسمع عن أحد من مقصري الصحابة: أنه قلد عالمًا من علماء الصحابة المشاهير، بل كان جميع المقصرين منهم يستروون علماؤهم نصوصَ الأدلة، ويعملون بها، وكذلك مَنْ بعدهم من التابعين وتابعيهم، من قال: إن جميع الصحابة مجتهدون، وجميعَ التابعين وتابعيهم كذلك، فقد أعظم الفرية، وجاء بما لا يقبله عارف.
وهذه المذاهب والتقليدات التي معناها قبولُ قول الغير دون حجته لم تحدثْ إلا بعد انقراض "خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
وخيرُ الأمورِ السالفاتُ على الهُدَى ... وشَرُّ الأمورِ المُحْدَثاتُ البدائِعُ
وإذا لم يسع غيرَ العالم في عصور الخَلَف ما وسعه في عصور السلف، فلا وَسَّعَ الله عليه.
قال: وهذا عارضٌ من القول اقتضاه ما قدمناه، فلنرجع إلى ما نحن بصدده من ترجمة هذا السيد الإمام، انتهى.
اقبلْ نصيحةَ واعظٍ ... وَلَو أنَّه فِيها مُراءِ
فلرُبَّما نفعَ الطبيبُ ... وكانَ أحوجَ للدواءِ
إمامُ العربية والتفسير، ذكر له المُقَّرِيُّ ترجمة حسنة طويلة، وقال ابن مرزوق في حقه: شيخ النحاة بالديار المصرية، وشيخ المحدثين بالمدرسة المنصورية، سمعت عليه، وقرأت، وحدثني بسنن أبي داود، والنسائي، والموطأ عن جماعة من الحفاظ، قال: شكوت إليه يومًا ما يلقاه الغريبُ من اذاية العداة، فأنشدني لنفسه:
عُداتي لهم فضلٌ عَلَيَّ ومِنَّةٌ .... فلا أذهبَ الرَّحمنُ عَنِّي الأعاديا
هُمُ بحثوا عن زَلَّتي فاجْتَنَبْتُها ... وهُمْ نافَسوني فاكتسبتُ المَعاليا
ذكر الصفدي ترجمته، وأثنى عليه، وبالغ فيه، وقال، خدم هذا العلم مدةً