المقالة مقالةُ من لم يعرف ذلك الفن حقَّ معرفته، وليس الأمرُ كما يقول؛ فإني قد شُغلت برهةً من العمر في هذا الفن، فمنه: ما قعدت فيه بين أيدي الشيوخ؛ كشرح التلخيص المختصر وحواشيه، وشرحه المطول وحواشيه، وشرحه الأطول، ومنه: ما طالعته مطالعة متعقب، وهو ما عدا ما قدمته، وقد كنت أظن في مبادىء طلب هذا الفن ما يظنه هذا القائل، ثم قلتُ ما قلتُ عن خبرة وممارسة وتجريب، والزمخشري وأمثاله - وإن رغبوا في هذا الفن - فذلك من حيث كونه مدخلاً في معرفة البلاغة؛ كما قدمنا، وهذا الجواب الذي ذكرته ها هنا هو الجواب على المعترض في سائر ما أهملته ما يظن أنه معتبر في الاجتهاد، ومع هذا كله، فلسنا بصدد بيان القدر الذي يجب عنده العمل بالكتاب والسنة، وإلا، فنحن ممن يرغِّب الطلبةَ في الاستكثار من المعارف العلمية، على اختلاف أنواعها؛ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، ومن رام الوقوف على ما يحتاج إليه طالبُ العلم من العلوم على التفصيل والتحقيق، فليرجع إلى الكتاب الذي جمعتُه في هذا الشأن، وسميته: "أدب الطلب ومنتهى الأرب"، وهو كتاب [لا] يستغني عنه طالب الحق، على أني أقول بعد هذا: إن من كان عاطلاً عن العلوم، الواجبُ عليه أن يسأل مَنْ يثق بدينه وعلمه عن نصوص الكتاب والسنة في الأمور التي تجب عليه؛ من عبادة، أو معاملة، وسائر ما يحدث له، فيقول لمن يسأله: عَلِّمني أصحَّ ما ثبتَ في ذلك من الأدلة حتى أعملَ به، وليس هذا من التقليد في شيء؛ لأنه لم يسأله عن رأيه، بل عن روايته، ولكنه لما كان - لجهله - لا يفطن ألفاظ الكتاب والسنة، وجب عليه أن يسأل من يفطن ذلك، فهو عاملٌ بالكتاب والسنة بواسطة المسؤول، ومن أحرز ما قدمنا من العلوم عامل بهما بلا واسطة في التفهم، وهذا يقال له: مجتهد، والعامي المعتمد على السؤال ليس بمقلد، ولا مجتهد، بل عامل بالدليل بواسطة مجتهد يُفهمه معانيه، وقد كان غالب السلف - من الصحابة والتابعين، وتابعيهم الذين هم خيرُ القرون من هذه الطبقة - كذلك، ولا ريب أن العلماء بالنسبة إلى غير العلماء أقلُّ قليل. فمن قال: إنه لا واسطة بين المقلد والمجتهد.
قلنا له: قد كان غالب السلف الصالح ليسوا بمقلدين ولا مجتهدين، أما