مؤلفات شريفة، وكان يقول: علماء السوء أضرُّ على الناس من إبليس، يلبسون الحقَّ بالباطل، ويزيدون الأحكام على وفق الأغراض والأهواء بزيغهم وجدالهم، فمن أطاعهم، ضلَّ سعيهُ، وهو يحسب أنه يحسن صنعًا، فاستعذ بالله منهم، واجتنبهم، وكن مع العلماء الصادقين. وكان يقول: من المتفقهين تستفيد دعوى العلم بأحكام الدين، ومن العلماء العاملين تستفيد العمل بأحكام الدين، فانظر أيُّ الفائدتين أقربُ قُربى عند رب العالمين، فاستمسكْ بها. وكان يقول: لا تطلب ألا يكون لك حاسد، ولا ألا يحسدك حاسد؛ فإن الحكم الوجودي اقتضى مقابلة النعم بالحسد، فمن طلب ألا يكون له حاسد، فقد طلب ألا تكون له نعمة، ومن طلب الوقاية من شر الحاسد المتحققِ الحسد، فقد طلب ظهور النعمة عليه مع الأمان من التشويش ومن فيها، فافهم. فلذلك قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1 - 5] وأتى: بإذا، ولم يقل: إن حسد، فافهم! انتهى. قلت:
هُمْ يُحْسَدون وشَرُّ الناسِ كُلَّهِمِ ... مَنْ عاشَ في الناس يومًا غيرَ محسودِ
اللهمَّ لك الحمدُ على ما جعلتني محسودًا لأعدائي، ولم تجعلْني حاسدًا، فقِني شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك.
رحل إلى مصر، ثم مكة، وسمع "صحيح البخاري"، وعنه أخذ أهل الأندلس، ورجع وسكن إشبيلية، وخدم المعتضد، فقتله سنة 460، له شعر يحرض فيه على الجهاد.
رحل إلى المشرق، وكان حافظًا فهمًا عارفًا بالرجال، حدث حديث مالك وشعبة، وأشياء في الزهد، وسمع بمصر ودمشق ومكة وقرطبة، وتوفي سنة 393.