قاضي الجماعة بقرطبة، وكان متفننًا في ضروب العلوم، وغلب عليه التفقه بمذهب داود بن علي الأصبهاني المعروف بالظاهري، فكان يؤثر مذهبه، ويجمع كتبه، ويحتج لمقالته، ويأخذ به في نفسه وذويه، توفي سنة 355.
له كتاب "أحكام القرآن"، و"الناسخ والمنسوخ"، و"الرد على أهل المذاهب"، ذكر ابن أصبغ الهمداني: أنه خطب يومًا، وأراد التواضع، فكان من فصول خطبته أن قال: حتى متى وإلى متى أعظ ولا أتعظ، وأزجر ولا أنزجر، أدلُّ الطريق إلى المستدلين، وأبقى مقيمًا مع الحائرين؟! كلا {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106] {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155] الآية. اللهم فَرِّغنْي لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكفَّلْت لي به، ولا تحرمني وأنا أسألك، ولا تعذبني وأنا أستغفرك يا أرحم الراحمين.
سمع من بقي بن مخلد، وبمكة من محمد بن إسماعيل الصائغ، ودخل عراق وبغداد، وسمع بها من عبد الله بن الإمام أحمد، والحارث بن أسامة، وسمع بمصر وبالقيروان، وانصرف إلى الأندلس بعلم كثير، فمال الناس إليه، وكان بصيرًا بالحديث والرجال، نبيلاً في النحو والغريب والشعر، صنف على كتاب "السنن" لأبي داود كتابًا في الحديث، وفيه من الحديث المسند ألفان وأربع مئة وتسعون حديثًا في سبعة أجزاء، مولده سنة 447. حكى القرطبي في "تفسيره": أنه قال: أخذتُ عن بكر بن حماد حديثَ مسدد، فقرأت عليه: أنه قدم عليه قوم من مضر مجتابي النِّمار، فقال: إنما هو مجتابي الثمار، فقلت: إنما هو النِّمار، فسألت الشيخ، فقال كما قلتُ، وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة جيوبُهم أمامهم، فقال بكر - وأخذ بأنفه -: رغمَ أنفي للحق، قال المَقَّري: وهذه الحكاية دالة على عظيم قدر الرجلين.