خطبةَ الوداع، وقال: "قيدوا العلم بالكتاب"، قال: فلو ترك الصحابة وتدوين كل واحد منهم ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لانضبطت السنة، ولم يبق بين آخر الأمة وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل حديث إلا الصحابي الذي دون روايته؛ لأن تلك الدواوين كانت تواترت عنهم إلينا كما تواتر البخاري ومسلم وغيرهما.

قال ابن رجب: فانظر إلى هذا الكلام الخبيث المتضمن أن أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - هو الذي أضلَّ الأمة قصدًا منه وتعمدًا، ولقد كذب في ذلك وفجر، ثم إن تدوين السنة اكثر ما يفيد صحتها وتواترها، وقد صحت - بحمد الله تعالى -، وحصل العلم بكثير من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها أو اكثرها لأهل الحديث العارفين به من طرق كثيرة، دونَ من أعمى الله بصيرته؛ لاشتغاله عنها بشُبه أهل البدع والضلال؛ والاختلاف لم يقع لعدم تواترها، بل وقع من تفاوت فهم معانيها؛ وهذا موجود، سواء دونت وتواترت أو لا، وفي كلامه إشارة إلى أن حقها اختلط بباطلها، ولم يتميز، وهذا جهل عظيم. وقد كان الطوفي أقام بالمدينة المنورة مدة يصحب شيخ الرافضة السكاكيني المعتزلي، ويجتمعان على ضلالتهما، وقد هتكه الله وعجل الانتقام منه بالديار المصرية.

قال تاج الدين القيسي في حقه: قدم علينا بمصر في زي أهل الفقر، واشتهر عنه الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة، فرفع أمر ذلك إلى القاضي الحنبلي، وقامت عليه بذلك البينة، فتقدم إلى بعض نوابه بضربه وتعزيره واسهابه، وطيف به، ونودي عليه بذلك، وحبس أيامًا. قال ابن رجب: وقد ذكر بعض شيوخنا عمن حدثه عن آخر أنه أظهر له التوبة - وهو محبوس - وهذا من تقيته ونفاقه، توفي سنة 716.

295 - عبدالله بن أحمد بنِ تمامٍ، البليُّ، الصالحيُّ، الأديبُ، الزاهدُ.

ولد سنة 635، وسمع الحديث من ابن قميرة، والمرسي، وجماعة، وقرأ النحو والأدب، وأقام بمصر مدة صحب الفقراء والفضلاء، وكان شيخًا زاهدًا متقللاً من الدنيا؛ لم يكن له أثاث ولا طاسة ولا فراش ولا سراج، بل كان بيته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015