قال النووي: هو أجلُّ شيوخي. حج ثلاث مرات؛ وكان آخرها قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام يطلبه الحج ذلك العام؛ وكان رقيق القلب، سريع الدمعة؛ وكان مجلسه عامرًا بالمحدثين والفقهاء. قال الذهبي: ما رأيت سير عالم أطول من سيره؛ حدث نحوًا من ستين سنة؛ كان شيخ الإسلام، وقدوة الأنام، وحسنة الأيام، ممن تفتخر به دمشق على سائر البلدان، بل هو يزهو به عصره على سائر متقدم العصور والأزمان. أثنى عليه البرزالي، واليونيني، وكان على قدم السلف الصالح على معظم أحواله، وممن أخذ عنه العلم: شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وأبو الحسن الحراني، وكان يقول: ما رأيت بعيني مثله، وحدَّث بالكثير، وروى عنه خلق كثير من الأئمة والحفاظ؛ مثل: الحارثي، والمزي والبرزالي. توفي سنة 682، وكانت جنازته مشهودة، حضرها أمم لا يحصون، ويقال: إنه لم يسمع بمثلها من دهر طويل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: بكت عليه العيون بأسرها، وعم مصابه جميع الطوائف وسائر الفرق، فأي دمع ما سجم؟ وأي أصل ما جذم؟ وأي ركن ما هدم؟ وأي فضل ما عدم؟ يا له من خطب ما أعظمه، وأجلَّ قدره! ومصاب ما أفخمه، وأكبر ذكره! انتهى. وقد رثاه نحو ثلاثين شاعرًا، ذكر له ابن رجب ترجمة حسنة حافلة.
ولد سنة 627. سمع من والده، ورحل إلى حلب، وسمع بها من الحفاظ، وتفنن في الفضائل.
قال الذهبي: درَّس وأفتى وصنف، وصار شيخ البلد بعد أبيه، وخطيبَه وحاكمَه، وكان إمامًا محققًا لما ينقله، كثيرَ الفوائد، جيدَ المشاركة في العلوم، له يد طولى في الفرائض والحساب والهيئة، باشر بدمشق مشيخة دار الحديث؛ وكان له كرسي بالجامع يتكلم عليه أيام الجمع من حفظه، توفي سنة 682.