ألا رُبَّ وجهٍ في التراب عتيقِ ... ألا ربَّ رامٍ في التراب رفيقِ
أرى كلَّ حيٍّ هالكًا وابنَ هالك ... وذو حسب في الهالكين عريقِ
فقل لمقيم الدار: إنك ظاعِنٌ ... إلى سفرٍ نائي المحلِّ سحيقِ
إذا امتحنَ الدنيا لبيبٌ، تَكَشَّفَتْ ... له عن عدوٍّ في ثيابِ صديقِ
ولد سنة 541، وقيل: سنة 543، وقيل: سنة 544، قدم دمشق، وسمع من حفاظها، ورحل إلى بغداد، وقرأ على الشيخ عبد القادر شيئًا من الحديث، ورجع إلى الإسكندرية، وسمع بها من الحافظ السلفي، وأكثر عنه - حتى قيل: لعله كتب عنه ألف جزء -، وسافر إلى أصبهان وهمدان وموصل، وسمع من حفاظها، وعاد إلى دمشق، ولم يزل ينسخ ويصنف ويفيد المسلمين، ويعبد الله.
قال الحافظ الضياء: كان عبد الغني أميرَ المؤمنين في الحديث. قال: ورأيت فيما يرى النائم وأنا بمدينة مرو - كأن الحافظَ عبدَ الغني جالس، والإمام محمد بن إسمعيل البخاري بين يديه، يقرأ عليه جزءًا أو كتابًا، وكان الحافظ يرد عليه شيئًا، أو ما هذا معناه. قال: وجاء رجل إليه، فقال: رجل حلف بالطلاق إنك تحفظ مئة ألف حديث، فقال: لو قال أكثرَ لصدق. قال التاج الكندي: لم ير الحافظ مثلَ نفسه، وما رأيت أحفظَ منه. وأنشد ربيعة بن الحسن فيه شعر:
يا أصدقَ الناسِ في بَدْوٍ وفي حَضَرٍ ... وأَحفظَ الناس فيما قالت الرسلُ
إنْ يحسدوك فلا تَعْبَأْ بقائِلِهم ... هُمُ الغثاءُ وأنتَ السيدُ البَطَلُ
وأنشدت فيه:
إن قِيسَ علمُك في الورى بعلومِهم ... وجدوكَ سَحْبانا وغيرك باقِلُ
ذكره ابن النجار في "تاريخه"، وقال: حدَّث بالكثير، وصنف التصانيف الحسنة في الحديث، وكان كثيرَ العبادة، ورعًا، متمسكًا بالسنة على قانون السلف، ولم يزل يحدث إلى أن تكلم في الصفات والقرآن بشيء أنكره عليه أهل