ويتجاوز عنه. وذكر ابن النجار عن علي الفاخراني قال: رأيت صدقة في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بعد شدة، فسألته عن علم الأصول، فقال: لا تشتغل به، فما كان شيءٌ أضرَّ عليَّ منه، وما نفعني إلا خمس قسبات، أو قال: تميرات تصدقت بها على أرملة.
قال ابن رجب: هذا المنام حق، وما كانت مصيبة إلا من علم الكلام، ولقد صدق القائل: ما ارتدى أحد في الكلام فأفلح، وبسبب شبهة المتكلمين والمتفلسفة كان يقع له أحيانًا حيرة وشك - يذكرها في أشعاره -، ويقع منه من الكلام والاعتراض ما يقع. وقد رأيت له مسألة في القرآن قرر فيها: أن ما في المصحف ليس بكلام الله حقيقة، وإنما هو عبارة عنه، ودلالة عليه، وإنما سمي: كلامَ الله، مجازًا، قال: ولا خلاف بيننا وبين المخالفين في ذلك إلا عندنا أن مدلوله: هو كلام الله الذي هو الحروف والأصوات، وعندهم مدلول الكلام: هو المعنى القائم بالذات، انتهى.
قلت: والحق في هذه المسألة: أن لفظ القرآن الكريم ومعناه كلاهما من الرحمن الرحيم، وكلامه سبحانه حرف وصوت؛ كما نطقت به الأحاديث الصحيحة، والكلام النفسي - الذي أثبته الأشاعرة - لا رائحة له في الكتاب ولا في السنة، وكما أن كلامه ليس له مثل، فكذلك حرفه وصوته لا مثل لهما، وتنزيله على منازل الكلام البشر وسائر مخلوقاته وصفاتها لا يجوز، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4].
ولد بباقدار - قرية من قرى بغداد -، تلا على جماعة، وسمع الحديث من سبط الخياط، وابن ناصر الحافظ، وحدَّث وسمع. ذكره ابن المديني، وقال: انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه، وعليه كان المعتمد فيه. وقال الحافظ الخضري: كان آخر من بقي من حفاظ الحديث الأئمة، أثنى عليه الدبيتي، والحافظ المنذري.