ابن السمعاني، وابن الجوزي، وعبد القادر الرهاوي، وأثنوا عليه ثناء حسنًا، وبرع على حُفَّاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث، والأنساب، والتواريخ والأسماء والكنى، والقصص والسير.
وله التصانيف الكثيرة في أنواع من علوم الحديث، والزهد والرقائق، وغير ذلك، له "زاد المسافر" نحو من خمسين مجلدة، وكان لا يأكل من أموال الظَّلَمة، ولا قبل منهم مدرسة ولا رباطًا، وإنما كان يُقرىء في داره، وكان يقرىء نصف نهاره القرآن، ونصفه الحديث، وكان لا يخشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحدًا أن يعمل في محلته منكرًا ولا سماعًا، وكان يُنزل كلَّ إنسان منزلته حتى تآلفت القلوب على محبته، وحسنِ الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة، مع شدته في الحنبلية. قال الرهاوي: وكان حسن الصلاة، لم أر أحدًا في مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان مشددًا في أمر الطهارة، لا يدع أحدًا يمس مداسه. قلت: هذه زلة من عالم. قال: وكان ثيابه قصارى، وأكمامه قصارى، وعمامته نحو سبعة أذرع، وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادًا وفعلاً، ومن نوادره - رحمه الله تعالى - أنه كان يمشي في اليوم الواحد ثلاثين فرسخًا، توفي سنة 569.
قال ابن الجوزي: وبلغني أنه رُئِي في المنام في مدينة جميعُ جدرانها من الكتب، وحوله كتب لا تحد، وهو مشتغل بمطالعتها، فقيل له: ما هذه الكتب؟ قال: سألت الله تعالى أن يشغلني بما كنت أشتغل به في الدنيا، فأعطاني، انتهى. قلت: وهذه مسألتي من الله تعالى أيضًا في عالم البرزخ، فإن ولعي بالكتب الشريفة الحديثية والقرآنية، وشغفي بالعلم مما لا ينكر، وهو سبحانه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.
كان في ابتداء أمره يغني، وله صوت حسن، ثم تاب، وحسنت توبته، وقرأ القرآن في زمن يسير، وتعلم الحفظ في أيام قلائل، وكان ذكيًا جدًا، يحفظ في