ولد في شعبان سنة 396، سمع الحديث بهراة، وصحب الشيوخ، وتأدب بهم، وأملى الحديث سنين، وصنف التصانيف، منها: كتاب "ذم الكلام"، وكتاب "منازل السائرين"، و"تفسير القرآن" بالفارسية. وكان ذا أحوال وكرامات ومجاهدات، شديدَ القيام في نصر السنة والذبِّ عنها، والقمعِ لمن خالفها، وجرى له بسبب ذلك محن عظيمة.
وكان شديد الانتصار والتعظيم لمذهب الإمام أحمد، يقول: مذهب أحمد أحمدُ مذهب. وأنشد على المنبر بهراة في يوم مجلسه:
أَنا حنبليٌّ ما حَييتُ وإنْ أَمُتْ ... فوَصِيَّتِي للناسِ أن يتحنبلوا
وقال: عرضت على السيف خمسَ مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت. واجتمع أئمة الفريقين من أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة، وطلبوا المناظرة معًا، فقال: أناظر على ما في كمي، فقالوا: وما في كمك؟ قال: كتاب الله - وأشار إلى كمه اليمين -، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشار إلى كمه اليسار -، وكان فيه الصحيحان، فنظر السلطان إلى القوم كالمستفهم لهم، فلم يكن فيهم من يمكنه أن يناظره من هذا الطريق.
قال ابن رجب: وكان شيخ الإسلام الهرويُّ مشهورًا في الآفاق بالحنبلية، والشدة في السنة؛ وكان آية في التفسير، وحفظ الحديث، ومعرفة اللغة والأدب، وخلع على الشيخ من جهة الإمام القائم بأمر الله خلعة شريفة، وأخرى فاخرة من جهة الإمام المقتدي بالله مع الخطاب واللقب بشيخ الإسلام "شيخ الشيوخ زين العلماء"، وخلعة أخرى لابنه عبد الهادي، وكان السبب في هذا الخلع الوزير نظام الملك شفقةً منه على أصحاب الحديث، وصيانةً عن لحوق شَيْنٍ بهم.