وكان يقول: "ما صحَّ في رجبٍ وفي صيامه شيءٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال: كتاب أبي عيسى الترمذي عندنا أفيدُ من كتاب البخاري، ومسلم، قيل: ولم ذلك؟ قال: لأن كتابيهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا الكتاب قد شرح حديثه، وبينهما، فيصل إلى فائدته كلُّ أحد من الناس؛ من الفقهاء والمحدثين وغيرهما، وقال: المحدث يجب أن يكون سريعَ المشي، سريعَ الكتابة، سريعَ القراءة. وقال ابن طاهر: سألته عن الحاكم - يعني: صاحب "المستدرك" -، فقال: ثقة في الحديث، رافضيٌّ خبيث، قال المؤتمن الساجي: كان يدخل عليه الجبابرة والأمراء، فما كان يبالي بهم، ويرى بعض أصحاب الحديث من الغرباء، فيكرمه إكرامًا يتعجب منه الخاص والعام، وكان يقول: إلهي! عصمة أو مغفرة، فقد ضاقت بنا طريق المعذرة، وقد أثنى عليه شيوخه وأقرانه، ومَنْ دونه من الفقهاء والمحدثين والصوفية والأدباء، ولما أُخرج من هراة، ووصل إلى مرو، قصده البغوي صاحب "التفسير"، فلما حضر عنده، قال لشيخ الإسلام: إن الله قد جمع لك الفضائل كلها، وكانت بقيت فضيلة واحدة، فأراد أن يكملها لك، وهي الإخراجُ من الوطن أسوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكان من عادة إسحق القراب الحافظ الحثُّ على الاختلاف إليه، والبعث على القراءة عليه، واستماع الأحاديث بقراءته، والاستفادة منه والمواظبة على مجلسه، والاختيار له على غيره، وكان يقول: لا يمكن أن يكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - كاذبٌ من الناس وهذا الرجلُ في الأحياء.
قال القاضي ابن عبد الجبار في "تاريخ هراة": كان صورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها: نصرة الدين والسنة، والصلابة في قهر أعداء الملة، والمنتحلين بالبدعة، حي على ذلك عمره من غير مداهنة ومراقبة لسلطان ولا وزير، ولا ملاينة مع كبير ولا صغير، وقد قاسى بذلك السبب قصد الحساد في كل وقت وزمان، وسعوا في روحه مرارًا، وعمدوا إلى إهلاكه أطوارًا، فوقاه الله شرهم، وأحاط بهم مكرهم، وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع أمره