إسحق بن يسار، وتلك الطبقة، وجالس محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ثم جالس أبا حنيفة النعمان بن ثابت، وكان الغالب عليه مذهب أبي حنيفة، وخالفه في مواضع كثيرة، وروى عنه: محمد بن الحسن الشيباني الحنفي، وبشر بن الوليد الكندي، وعلي بن جعد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، في آخرين، وكان قد سكن بغداد، وتولى القضاء بها لثلاثة من الخلفاء: المهدي، وابنه الهادي، ثم هارون الرشيد، وكان الرشيد يكرمه ويُجِلُّه، وهو أول من دعي بقاضي القضاة، ويقال: إنه أول من غير لباسَ العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها في هذا الزمان، وكان ملبوس الناس قبل ذلك واحدًا لا يتميز أحد عن أحد بلباسه. ولم يختلف يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني في ثقته في النقل، وذكر ابن عبد البر في كتاب "الانتهاء في فضائل الثلاثة الفقهاء": أن أبا يوسف كان حافظًا، وأنه كان يحضر المحدث، ويحفظ خمسين أو ستين حديثًا، ثم يقوم فيمليها على الناس، وكان كثير الحديث. وقال محمد بن جرير الطبري: وتحامى حديثَه قومٌ من أهل الحديث من أجل غلبة الرأي عليه، وتفريعه الفروع والأحكام، مع صحبة السلطان وتقلده القضاء.
قال طلحة بن محمد بن جعفر: أبو يوسف مشهور الأمر، ظاهر الفضل، أفقَهُ أهل عصره، ولم يتقدمه أحد في زمانه، وكان النهايةَ في العلم والحكم والرئاسة والقدر، وهُوَ أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وأملى المسائل، ونشرها، وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض. قال عمار بن أبي مالك: ما كان في أصحاب أبي حنيفة مثلُ أبي يوسف، لولا أبو يوسف ما ذكر أبو حنيفة، ولا محمد بن أبي ليلى، ولكنه هو الذي نشر قولَهما، وبث علمَهما.
وقال أبو يوسف: سألني الأعمش عن مسألة، فأجبته عنها، فقال لي، من أين لك هذا؟ فقلت من حديثك الذي حدثتنا أنت، ثم ذكرتُ له الحديث، فقال لي: يا يعقوب! إني لأحفظ هذا الحديث قبل أن يجتمع أبواك؛ وما عرفتُ تأويله حتى الآن.