رمضان إلى جارية له كان يحبها حبًا شديدًا، فعبث بها، ولم يملك نفسَه أن وقع عليها، ثم ندم ندمًا شديدًا، فسأل الفقهاءَ عن توبته من ذلك وكفارته، فقال يحيى بن يحيى: يكفّر ذلك بصوم شهرين متتابعين، فلما بدر يحيى بن يحيى بهذه الفتيا، سكت بقيةُ الفقهاء حتى خرجوا من عنده، فقال بعضهم لبعض - وقالوا ليحيى: ما لك لم تفته بمذهب مالك؟ فعنده أنه مخير بين العتق والإطعام والصيام، فقال: لو فتحنا له هذا الباب، سهل عليه أن يطأ كل يوم، ويعتق رقبةً فيه، ولكن حملتُه على أصعب الأمور؛ لئلا يعود.
ولما انفصل يحيى عن مالك ليعود إلى بلاده، ووصل إلى مصر؛ رأى عبد الرحمن بن القاسم يدون سماعه من مالك، فنشط إلى الرجوع إلى مالك ليسمع منه المسائل التي كان ابن القاسم دوّنها عنه، فرحل إليه ثانية، فلقي مالكًا عليلًا، فأقام عنده إلى أن توفي، وحضر جنازته، فعاد إلى ابن القاسم، وسمع منه سماعه من مالك. ذكر ذلك أبو الوليد بن الفرضي في "تاريخه". وكان أحمد بن خالد يقول: لم يعط أحد من أهل العلم بالأندلس منذ دخلها الإسلام من الحظوة وعظم القدر وجلالة الذكر ما أُعطيه يحيى بن يحيى. وقال ابن بشكوال في "تاريخه": إن يحيى بن يحيى مُجاب الدعوة، وكان قد أخذ في نفسه وهيئته ومقعده هيئة مالك، وحكي عنه أنه قال: أخذت ركاب الليث بن سعد، فأراد غلامه أن يمنعني، فقال: دعه، ثم قال لي الليث: خدمك أهلُ العلم، فلم تزل بي الأيام حتى رأيت ذلك، ثم قال.
وتوفي يحيى بن يحيى في رجب سنة 234؛ وقبره يُستسقى به - رحمه الله تعالى -، وقد ذكر له المقرىء في "نفح الطيب" ترجمةً حافلة حسنة، فارجع إليه.
كان فقيهًا عالمًا بالفقه، بصيرًا بالأحكام، ذكره الدارقطني في أصحاب الشافعي، وقال الخطيب في "تاريخ بغداد": كان يحيى بن أكثم سليمًا من البدعة، ينتحل مذهب أهل السنة، سمع عبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة،