من اصطناع فرسان زناتة، واعتقاد المنة عليهم. فأرسل إليهم، يأتوك سراعا؛ فيجد إحسانك إليهم مكانا!) فعمل ابن أبي عامر على ذلك، وأنفذ كتبه إلى قبائل العدوة يستدعيهم، ويتضمن الإحسان إليهم، والتوسعة عليهم، حتى كثروا بالأندلس؛ فحسنت أحوالهم، وكثرت أموالهم، وما زالوا خاصته وبطانته إلى أن هلك، وانقرضت الدولة العامرية. وقد صار بالأندلس منهم القبائل بأسرها، وكاثروهم حتى نفذ قضاء الله عليهم بأيديهم.
وفي سنة 386، عهد المنصور أن يخص بتسويده من بين سائر الناس كافة في المخاطبات، وأن يرفع ذلك عن سائر أهل الدولة مع الاقتصاد في مراتب الأدعية؛ فنفذ الكتب بذلك، وجرى العمل عليه بقية حياته؛ وخوطب هذا الوقت بالملك الكريم؛ واستبلغ في تكريمه وتعظيمه.
وعند تناهي المنصور ابن أبي عامر في هذا الوقت على الاقتدار، والنصر على الملوك الطاغية - دمرها الله -، سما إلى مدينة شنت ياقوب قاصية غلبسية، وأعظم مشاهد النصارى الكائنة ببلاد الأندلس وما يتصل بها من الأرض الكبيرة. وكانت كنيستها عندهم بمنزلة الكعبة عندنا؛ فيها يحلفون وإليها يحجون من أقصى بلاد رومة وما وراءها؛ ويزعمون أن القبر المزور فيها قبر ياقوب الحواري أحد الاثني عشر - رحمهم الله -؛ وكان أخصهم بعيسى - عليه السلام -، وهم يسمونه أخاه للزومه إياه. وقد زعم جماعة منهم أنه ابن يوسف النجار. وشنت ياقوب هي مدفن ياقوب؛ فهم يسمونه أخا الرب - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا -. وياقوب بلسانهم يعقوب؛ وكان أسقفا ببيت المقدس؛ فجعل يستقري الأرضين داعيا لمن فيها؛ فجاز إلى الأندلس حتى انتهى إلى هذه القاصية؛ ثم عاد