شفه نحوه، وأمكنه من يديه معا واحدة بعد أخرى، وما زوى وجهه، ولا فقد نصحا له كلامه، بل كان يتناول أوامره من وعده ووعيده بأنفذ من الإشفى، ويحملهم من وروده على الأوفى فالأوفى، وإن نتن لحمه المكوي ليبتثُّ فيهم آخذا بخواشيمهم، وهم لا يعلمون.
وفي سنة 392، توفى المنصور ابن أبي عامر - رحمه الله - ليلة الاثنين لثلاث بقين لرمضان المعظم، وهو ابن خمس وستين سنة وعشرة أشهر؛ كان له من الولد الذكور يوم وفاته إثنان، وهما عبد الملك وعبد الرحمن الناصر؛ فكانت مدة قيامه بالدولة منذ تقلد الحجابة إلى أن توفى خمسا وعشرين سنة، وأربعة وأربعين يوما. وترك من الأموال الناضة بالزاهرة أربعة وخمسين بيتا. وكان عدد الفرسان المرتزقين بحضرته ونواحيها، الذين حارب بهم الحروب، عشرة آلاف وخمسمائة، وأجناد الثغور قريبا من ذلك.
ولله دَرُّ القائل فيه (كامل) :
آثارُهُ تُنْبِيكَ عَنْ أخْبَارِهِ ... حَتَّى كأنَّكَ بالعُيُونِ ترَاهُ
تَاللهِ ما مَلَكَ الجَزيرَةَ مِثْلُهُ ... حَقًّا وَلاَ قَادَ الجُيُوشَ سِوَاهُ
وذُكرَ أنَّ هذين البيتين قد نقشا في رخامة على قبره - رحمه الله -. وكانت عدَّة غزواته سبعا وخمسين غزوة، باشرها كلها بنفسه، وهو في أكثرها يشكو على النقرس - عفا الله تعالى عنا وعنه! - كَمُلَ السفر الأوَّلُ بحمد الله تعالى وحسن عونه وتوفيقه ويمنه. وصلى الله على سيدنا محمد نبيّه وعبده.