والفلاسفة، بمحضر كبار العلماء، منهم الأصيلي وابن ذكوان والزبيدي وغيرهم؛ واستولي على حرق جميعها بيده.
وممن أوقع به المنصور في مثل هذه المعاني المبتكرة: محمد بن أبي جمعة؛ بلغه عنه قول من الأرجاف في القطع على انقراض دولته؛ فقطع لسانه، ثم قتله وصلبه؛ فخرست ألسن جميعهم لذلك؛ وكذلك أيضا عبد العزيز بن الخطيب الشاعر، وكان أرفع أهل هذه الطبقة منزلة؛ وكان مقدما في أصحاب المنصور، حتى فسد ضميره عنده، وبقى مدة يلتمس غرَّة منه، حتى قال في بعض أبيات من شعر أفرط فيها (كامل) :
مَا شِئْتَ لاَ مَا شَاءتِ الأقْدَارُ ... فَاحُكُمْ فَأنتَ الواحِدُ القَهارُ
فَكَأنَّمَا أنتَ النَّبيُّ مُحَمدٌ ... وَكَأنَّمَا أنصَارُكَ الأنصَارُ
فأمر بضربه خمسمائة سوط، ونودي عليه باستخفافه؛ ثم حبسه، ونفاه بعد عن الأندلس.
وفي سنة 381، رشح المنصور ولده عبد الملك للولاية، وقدم أخاه عبد الرحمن للوزارة. وترك اسم الحجابة، واقتصر على التسمي بالمنصور؛ وأن يكتب: (من المنصور أبي عامر - وفقه الله - إلى فلان.) بحذف اسم الحجابة، ويذكر اسم ولده عبد الملك بخطة الحجابة والقيادة العليا وسائر خطط المنصور، سلم فيها لابنه عبد الملك، وصحت له الحجابة من يومئذ. وبعد هذا، واستبدل المنصور جند الأندلس بالبربر؛ فأقام لنفسه جندا اختصهم باستصناعه، واسترقهم بإحسانه، نسخ بهم في المدة القريبة جند الخليفة الحكم - رحمه الله -، كما فعله في سائر أموره.
واتفق في ذلك الوقت أن تحرك بلقين بن زيري الصنهاجي إلى المغرب في جموعه، وأوقع بقبائل زناتة طالبا ثأر أبيه زيري؛ فهربوا أمامه كلهم إلى سبتة، وضاقت عليهم أرض العدوة؛ فقيل لابن أبي عامر: (قد أمكنك الله