إلى أرض الشأم؛ فقتل بها، وله مائة وعشرون سنة شمسية. فاحتمل أصحابه رمته، فدفنوها بهذه الكنيسة التي كانت أقصى أثره. ولم يطمع أحد من ملوك الإسلام في قصدها، ولا الوصول إليها، لصعوبة مدخلها وخشونة مكانها، وبعد شقتها.
فخرج المنصور إليها من قرطبة غازيا بالصائفة يوم السبت لست بقين من جمادى الآخرة سنة 387، وهي غزوته الثامنة والأربعون. ودخل على مدينة قورية. فلما وصل المنصور إلى مدينة غليسية، وافاه عدد عظيم من القوامس المتكسطين بالطاعة، في رجالهم، وعلى أتم احتفالهم؛ فصاروا في عسكر المسلمين، وركبوا في المغاورة سبيلهم. وقد كان المنصور تقدم في إنشاء أسطول كبير في الموضع المعروف بقصر أبي دانس من ساحل غرب الأندلس، وجهزه برجاله البحريين وصنوف المترجلين، وحملت الأقوات والأطعمة والعدد والأسلحة، استظهارا على نفوذ العزيمة، إلى أن خرج بموضع برتقال على نهر دويره؛ فدخل في النهر إلى المكان الذي عمل المنصور على العبور منه؛ فعقد هناك من هذا الأسطول جسرا بقرب الحصن الذي هناك. ووزع المنصور ما كان فيه من الميرة على الجند؛ فتوسعوا في التزود منه إلى أرض العدو.
ثم نهض يريد شنت ياقوب؛ فقطع أرضين متباعدة الأقطار، وقطع بالعبور عدة أنهار كبار وخلجان يمدها البحر الأخضر. ثم أفضى العسكر بعد ذلك إلى بسائط جليلة من بلاد فلطارش ومباسيطة والدير وما يتصل بها؛ ثم أفضى إلى جبل شامخ شديد الوعر، لا مسلك فيه، ولا طريق لم تهتد الأدلاء إلى سواه. فقدم المنصور الفعلة بالحديد لتوسعه شعابه وتسهيل مسالكه؛ فقطعه العسكر وعبروا بعده وادي منية؛ وانبسط المسلمون بعد ذلك في بسائط عريضة وأرضين أريضة، وانتهت مغيرتهم إلى دير قسطان وبسيط بالبنوك على البحر المحيط، وفتحوا حصن شنت بلايه، وغنموه، وعبروا سياخه إلى جزيرة من