بالعدوة وما قرب منها الروم، يسكنونها، إذ كان البربر يرغبون عن سكنى المدن والقرى، وإنما بغيتهم سكنى الجبال والصحارى، إذ كانوا أصحاب إبل وسائم. وكان النصارى في صُلحهم. وكانت السنة في الأندلس في ملوك النصارى أن يستخدموا بني بطارقتهم وكبار رجالهم: فالرجال منهم يخدمون خارجا، والنساء جوار يخدمن داخلا. وها كذا سنتهم إلى اليوم في الرجال خاصة، يخدمون صبيانا يتأدبون بأدبهم. ويتعلمون سنتهم؛ فإذا أدركوا وكبروا، ألحقوا برجالهم وأهليهم. وكان ملك الأندلس من القوطيين يسمى رذريق، قد مدَّ يده إلى ابنة يليان، وكانت عنده؛ فاغتصبها نفسها؛ فأرسلت إلى أبيها، ودست إليه. فلما بلغه ذلك، أحفظه، وكتمه، وارتصد به الأيام، ونصب له الغوائل، حتى كان من دخول العرب المغرب ما كان. وأرسل رذريق إلى يليان في بزاة وطيور وغيرها، فأرسل إليه: (لأوردن عليم طيرا لم تسمع قطُّ بمثلها) ، وهو ينوي الغدر به؛ فحينئذ دعا طارقا إلى ما كان من جواز البحر.
واختلفت الروايات في قتال طارق أهل الأندلس. فقيل إن رذريق زحف إلى طارق بجميع أهل القوة من أهل مملكته بنفسه، وهو على سرير ملكه على بغلين يحملانه، وعليه تاجه وجميع الحلية التي كانت تلبسها الملوك، حتى انتهوا إلى الجبل الذي فيه طارق. فخرج إليهم طارق بجميع أصحابه رجالة، ليس فيهم راكب إلا القليل؛ فاقتتلوا قتالا شديدا حتى ظنوا أنه الفناء. ثم صرف الله وجوه أعدائه؛ فانهزموا؛ وأدرك رذريق؛ فقتل في وادي الطين. ومضى حتى دخل قرطبة. وفتح الله الأندلس على المسلمين. هكذا ذكر عيسى في كتابه.
وذكر الواقدي أنهم اقتتلوا من حين طلعت الشمس إلى أن غربت؛ فلم تكن قطُّ بالمغرب مقتلة أعظم منها، بقيت عظامهم في المعركة دهراً طويلا لم تذهب.
وذكر الواقدي أيضاً، عن عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: سمعت