قال الرازي عن الواقدي: إنَّ الوليد بن عبد الملك استعمل موسى بن نصير على إفريقية، واستعمل موسى بن نصير طارق بن زياد على طنجة. وكان يليان مجاورا له بالجزيرة الخضراء التي تلي طنجة؛ فداخله طارق حتى صار معه إلى الرضى، ووعده يليان بإدخاله الأندلس هو وجنوده. وكان اجتمع لطارق اثنا عشر ألفا من البربر؛ فأجمع طارق على غزو الأندلس، بعد أن أخذ إذن ابن نصير مولاه في ذلك؛ فكان يليان يحتمل أصحاب طارق في مراكب التجار التي تختلف إلى الأندلس: ولا يشعر أهل الأندلس بذلك، ويظنون أن المراكب تختلف بالتجار. فحمل الناس فوجا بعد فوج إلى الأندلس. فلما لم يبق إلاَّ فوج واحد، ركب طارق ومن معه، حتى أجاز البحر إلى أصحابه وتخلف يليان بالجزيرة الخضراء، ليكون أطيب لنفسه ونفوس أصحابه. فنزل طارق جبلا من جبال الأندلس، يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة 92، كما تقدَّم ذكر ذلك. فسمّي ذلك الجبل باسمه إلى اليوم.
وذكر عيسى بن محمد من ولد أبي المهاجر، في كتابه السبب في دخول طارق الأندلس، وهو أنَّ طارقا كان واليا لموسى على طنجة؛ وكان يوما جالسا، إذ نظر إلى مراكب قد طلعت في البحر؛ فلما أرست، خرجوا إليها، فنزعوا ارجلها، وأنزلوا أهلها؛ فقالوا: (إليكم جئنا عامدين!) وعظيمهم معهم يقال له يليان. فقال طارق: (ما جاء بك؟) فقال له (إنَّ أبي مات. فوثب على مملكتنا بطريق يقال له لذريق؛ فأهانني، وأذلَّني؛ وبلغني أمركم؛ فجئت إليكم أدعوكم إلى الأندلس، وأكون دليلا لكم!) فأجابه طارق إلى ذلك، واستقر اثني عشر ألفا من البربر. فحملهم يليان في المراكب فوجا بعد فوج، كما تقدم ذكره.
وذكر غير هؤلاء أنَّ السبب في ذلك أنَّ طنجة وسبتة والخضراء وتلك النواحي كانت في مملكة صاحب الأندلس، على نحو ما كانت السواحل كلها