رجلا من أهل الأندلس يحدث سعيد بن المسيب ويذكر له قصتهم. فقال: (لم يرفع المسلمون السيف عنهم ثلاثة أيام، حتى أوطئوهم غلبة.) ثم ارتحل المسلمون إلى قرطبة، وهي مدينة الأندلس التي كان بها رذريق؛ وبينها وبين الساحل مسيرة خمسة أيام. وكان سلطان رذريق إلى ازيونة ثغر الأندلس، وهي إذ ذاك أقصى مملكة الأندلس. مما يلي إفرنجة؛ ومن أرثونة إلى قرطبة ألف ميل. وكان الذي أصابه طارق ومن معه من السَّبي، في أوَّل فتح لهم، عشرة آلاف رأس؛ وكان سهمانهم من الذهب والفضة لكل واحد من الرجال مائتا دينار وخمسون ديناراً.
وذكر الرازي أنه، لما بلغ رذريق خبر طارق ومن معه، ومكانهم الذي هم فيه، بعض إليهم الجيوش جيشاً بعد جيش؛ وكان قد قوَّد على أحدهم ابن أخت له يسمى بنج، وكان أكبر رجاله؛ فكانوا عند كل لقاء يهزمون ويقتلون؛ وقتل بنج، وهزم عسكره؛ فقوى المسلمون، وركب الرجاَّلة الخيل، وانتشروا بناحيتهم التي جازوا بها؛ ثم زحف رذريق إليهم بجميع عساكره ورجاله وأهل مملكته، وهو على سرير ملكه كما تقدَّم. فلما انتهى إلى الموضع الذي فيه طارق، خرج إليه؛ فاقتتلوا على وادي لكُّه من كورة شذونة يومهم ذلك، وهو يوم الأحد لليلتين بقيتا من رمضان، من حين بزغت الشمس إلى أن توارت بالحجاب؛ ثمَّ أصبحوا يوم الاثنين على الحرب، حتَّى إلى المساء. وتمادت أيامهم كذلك إلى يوم الأحد الثاني؛ فتمت ثمانية أيَّام. وقتل الله رذريق ومن معه، وفتح للمسلمين الأندلس، ولم يعرف لرذريق موضع، ولا وجدت له جثة، وإنما وجد له خف مفضض؛ فقالوا إنه غريق، وقالوا إنه قتل؛ والله أعلم.
ثم تحرك طارق إلى مضيق الجزيرة؛ ثم نهض إلى مدينة إسنجة؛ فوجد فيها فلَّ العسكر؛ فقاتلوه فتالا شديداً، حتى كثر القتل والجراح في المسلمين؛ ثمَّ نصرهم الله، وقطع دعوة العجمة، وقذف الله الرعب في قلوب المشركين، إذ