بهم فلا يسمعون، وخصوصًا بعد إعراضهم وإدبارهم، كما يفهم من قوله تعالى: {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} على ما أفاده الزمخشري في (الكشاف).

فهذا تأكيد لحال الأصم؛ لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولي عنه مدبرًا كان أبعد عن إدراك صوته، وكأن الحق -تبارك وتعالى- يقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم: رفقًا بنفسك، فهذا الحرص لا يجدي إلا مع الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته. الصورة الرابعة من صور خروج الكلام عن مقتضى الظاهر: تنزيل المنكِر منزلة غير المنكِر، وذلك إذا كان معه من الشواهد والأدلة على صدق الخبر ما إن تأمله ارتدع عن إنكاره، كما يقال لمنكر الإسلام: الإسلام حق. من غير تأكيد لعدم الاعتداد بإنكاره؛ لأنه لو تأمل الأدلة والشواهد المتناهية في الوضوح والشهرة لارتدع عن إنكاره، ورجع عن جحوده ونكرانه، وأسلم لربه عن يقين صادق وعقيدة راسخة، ولكنه لم يفعل، فجعل إنكاره كلا إنكار، ونزل منزلة غير المنكر.

ومن هذا النوع قول الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (البقرة: 163) والمعروف أن المخاطبين من الكفار ينكرون وحدانية الله فكان مقتضى حالهم أن يؤكد لهم الخبر، ولكنه ورد بلا تأكيد تنزيلًا لهؤلاء المنكرين منزلة غير المنكرين؛ لأن لديهم من الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة على وحدانية الله ما يردعهم عن إنكارهم، ويزيل جحودهم وضلالهم، وينتهي بهم إلى الحقيقة القاطعة، وهي أن الله واحد لا شريك له في ملكه، ولذلك جاء خطابهم خاليًا من التوكيد بناء على هذا التنزيل. وتأمل قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015