قوله: "إن بني عمك فيهم رماح" فأكد له الكلام ليوقد فيه الشعور بقوة شكيمتهم وقدرتهم على مواجهة الخصم إذا اقتضى الأمر ذلك. فهذا من تنزيل العالم بالحكم منزلة المنكر.
ومنه أيضًا قولك للمسلم غير المواظب على أداء الصلاة: إن الصلاة لواجبة. فتؤكد له الكلام مع أنه لا ينكر وجوب الصلاة، ولكن إهماله للصلاة وإصراره على عدم العمل بمقتضى علمه جعله في نظر المتكلم بمنزلة المنكر، فاقتضى حاله تأكيد الخبر، واقرأ إن شئت قول الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (المؤمنون: 15) والموت على ما هو متعالم لدى البشر حق لا يشك فيه أحد، ولا ينكره مخلوق، ومع ذلك فقد أكد إثبات الموت بتأكيدين: إن، واللام، وإن كان مما لا ينكر لتنزيل المخاطبين منزلة من يبالغ في إنكار الموت لتماديهم في الغفلة والإعراض عن العمل لما بعده من الحساب والجزاء، وكأنهم يعتقدون أنهم خالدون في الدنيا لا يموتون أبدًا، فهذه الآية من قبيل تنزيل العالم منزلة المنكر.
ومثله قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} (النمل: 80) فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن مهمته هي التبليغ والإرشاد إلى الطريق المستقيم، وأنه لا يستطيع أن يحمل الناس قسرًا على الإيمان، فالهدى هدى الله -عز وجل- ولكنه كان حريصًا على هدايتهم مجتهدًا في نصحهم واستمالتهم إلى الحق، مشفقًا عليهم من مغبة الضلال، ولذلك نزل منزلة من يعتقد أنه يستطيع إسماع الموتى وإسماع الصم، وينكر عدم مقدرته على ذلك، ولذلك جاء الكلام مؤكدًا. ولعلك تلاحظ أنهم شبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس؛ لأنهم إذا سمعوا ما يتلى عليهم من آيات الله، فلم يتأثروا بها كان سماعهم كلا سماع، كان حالهم لانتفاء جدوى السماع كحال الموتى، وكذلك تشبيههم بالصم الذين ينعق