في علم المعاني، وطبيعة البحث في علم النحو. فالبحث النحوي بحث تحليلي، يسعى للكشف عن الوظائف، والبحث البلاغي -وخاصة في علم المعاني- بحث تركيبي يسعى إلى إيضاح الدلالات والكشف عن خصوصيات التراكيب، فعلم النحو يبحث هذه الأحوال من حيث الصحة والفساد، أما علم المعاني فيبحث في سر بلاغتها ومطابقتها لمقتضى الحال.

وإذا تأملنا في تعريف علم المعاني السابق، فإننا نلاحظ الشبه القوي بينه وبين تعريف البلاغة التي عرفناه آنفًا، فالبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، ومع ذلك انفرد علم واحد من علومها، وهو المعاني بالبحث في هذه المطابقة، فهل تقتصر المطابقة بمقتضى الحال على تلك المباحث الثمانية، التي حصروا فيها علم المعاني؟ أم أنها تتعدى إلى علم البيان والبديع؟ هذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر، والصواب في ذلك أن علوم البلاغة الثلاثة تقوم بصفة أساسية على تحقيق مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وليس علم المعاني وحده، فالمطابقة مطلوبة في كل فن من فنون البلاغة بين اللفظ والمعنى، والتركيب والغرض الذي يصاغ له، ومطابقة ذلك كله لعقول السامعين ونفسياتهم، وبدون هذه المطابقة يفقد الكلام بلاغته وتأثيره في نفوس السامعين.

ومثل هذه التراكيب ذات الخصائص المستحسنة لا تصدر إلا عن متكلم بليغ يخاطب إنسانًا ذا فهم سليم وذوق رفيع؛ ولذلك يقول سعد الدين التفتازاني في (المطول): "ومما يتم به أمر البلاغة، ويظهر كون كل من المتكلم والسامع كامل المعرفة بجهات حسن الكلام ولطائف اعتباراته، وعندئذ يحدث الأثر المطلوب للكلام البليغ، فيصل إلى أعماق النفوس، ويقنع العقول، ويمتع العواطف بما يحمل من معان جليلة، وصور ساحرة ذات تأثير خلاب". فلا يكفي أن يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015