وجه انحصار علم المعاني في هذه المباحث الثمانية أن الكلام قسمان: خبر وإنشاء، ذلك أن الكلام إما أن يكون له واقع خارجي تطابقه أو لا تطابقه، أو لا، فالخبر هو ما يحتمل الصدق والكذب لذاته؛ لأن له نسبة خارجية في الواقع إن طابقت كلام المتكلم كان الخبر صادقًا، وإن لم تطابقه كان الخبر كاذبًا مثل قولك مثلًا: سافر محمد. والعلم النافع. والأرض تدور حول الشمس. أما الإنشاء فهو ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته؛ إذ ليست له نسبة خارجية تطابقه أو لا تطابقه، كالأمر في قولك مثلًا: اكتب الدرس. فالأمر بالكتابة ليست له حقيقة ثابتة في الخارج؛ أي الواقع؛ لأنه يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب، فلا يحتمل أن يقال لقائله: صدقت أو كذبت، ومثله بقية أنواع الطلب: كالنهي والاستفهام والتمني والنداء. والخبر لا بد له من: إسناد ومسند إليه ومسند، والمسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلًا أو في معنى الفعل، كاسم الفاعل واسم المفعول والمصدر ونحو ذلك. فأحوال هذه الأربعة هي الأبواب الأربعة الأولى في علم المعاني.
ثم إن الإسناد قد يكون بقصر أو بغير قصر، فهذا هو الباب الخامس في القصر، والإنشاء هو الباب السادس، ثم الجملة إذا قورنت بأخرى فالثانية إما أن تكون معطوفة على الأولى أو غير معطوفة، وهذا هو الباب السابع في الفصل والوصل، ولفظ الكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد عليه، وهذا هو الباب الثامن. ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن كثيرًا من أحوال اللفظ العربي يُبحث عنها في علم النحو، كالذكر والحذف والتقديم والتأخير والتعريف والتنكير، فما الفرق إذن بين تناول النحاة لمثل هذا، وتناول البلاغيين؟ هناك فرق بين طبيعة البحث بالطبع