المتكلم بليغًا متكلمًا من أساليب الكلام العربي ووجوه اعتباراته، بل يجب كذلك أن يكون المخاطب بهذا الكلام البليغ عارفًا بجهات الحسن وأسرار الجمال في التعبير، وإلا فلا معنى لاستحسانه، ولا عبرة بشأنه؛ لأنه ليس من أهل الذوق والمعرفة بخصائص التراكيب.

أحوال الإسناد الخبري

وننتقل الآن للحديث عن أول مبحث من مباحث علم المعاني، وهو أحوال الإسناد الخبري؛ إذ من المعلوم أن اللغة تتكون من ألفاظ مفردة، ترمز إلى معانيها التي وضعت لها، فالكلمات: زيد، عمرو، العلم، ناجح، قائم، نافع. لا تفيد سوى معانيها الوضعية، ونحن لا نتكلم كلمات مفردة، وإنما نستخدمها في تكوين الجمل والتراكيب بضم كلمة إلى أخرى، وبناء لفظة على لفظة حتى تفيد فائدة يحسن السكوت عليها. فعندما نقول: زيد ناجح، وعمرو قائم، والعلم نافع، فإن الكلام يفيد فائدة تامة، وكل جملة من هذه الجمل تشتمل على علاقة وارتباط بين طرفيها، وهما: المسند والمسند إليه. فالجملة الأولى مثلًا تفيد نسبة النجاح إلى زيد أو الحكم عليه بالنجاح، والجملة الثانية تفيد نسبة القيام إلى عمرو، والثالثة تفيد نسبة النفع إلى العلم وهكذا.

وإذا قلت: بكر غير مجتهد، والدنيا لا تدوم. فأنت هنا تحكم على بكر بنفي الاجتهاد تحكم على الدنيا بعدم الدوام، فمفهوم المسند منفي عن المسند إليه، وهذه النسبة بين الطرفين أو الرابطة بينهما هي ما يسميه البلاغيون الإسناد، وقد عرفوه بقولهم: هو ضم كلمة أو ما يجري مجراها إلى أخرى؛ بحيث يفيد الضم أن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى أو منفي عنه. فمثال ضم كلمة إلى كلمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015