قددت: أي قطعت، والفاعل مستتر يعود إلى الزُّباء ملكة تدمر، والأديم: هو الجلد، والراهشان: عرقان في باطن الذراع، والضمير المضاف إليه يعود لجذيمة بن الأبرش ملك الحيرة وقصتهما مشهورة، فالكذب والمين بمعنى واحد، ولا يتغير المعنى بإسقاط أحدهما، وإذا كانت الزيادة متعينة سميت حشوًا، والحشو نوعان: حشو يفسد به المعنى، كقول المتنبي:
ولا فضل فيها للشجاعة والندى ... وصبر الندى لولا لقاء شعوب
فكلمة "الندى" في البيت حشو أفسد المعنى؛ إذ المراد لا فضل في الحياة للشجاعة والصبر والندى، لولا الموت واعتقاد الشجاع والصابر والجواد أنهم ملاقو الموت، وهذا صحيح بالنسبة للشجاعة والصبر، فاسد بالنسبة للندى؛ إذ الشجاع لو علم أنه مخلّد لن يصيبه الموت لكان إقدامه وشجاعته لا فضل فيهما؛ لأنه أقبل على البطولة وهو على يقين بأن الموت لن يصيبه، وكذا الصابر عندما يعلم أنه لن يموت يكون صبره لا فضل فيه، وإنما تظهر مزية الشجاعة والصبر عندما يعلم صاحبهما أن الموت أمامه، ثم يقبل أو يصبر فعندئذ يكون للإقدام مزية وللصبر فضل، أما الندى فتظهر مزيته ويبدو فضله إذا عَلم صاحبه أنه مخلد ولن يموت؛ لأن علمه بأن الموت لن يلقاه يدعوه إلى الإمساك وادخار المال كي ينتفع به؛ إذ هو مخلد، فإذا جاد به عندئذ ظهر لجوده فضل وبدت له مزية، أما إذا علم أن الموت أمامه وسيلقاه -لا محالة- فهذا يدعوه إلى البذل والعطاء، ولا فضل للندى عندئذ، أما الحشو الذي لا يفسد المعنى فهو كما في قول زهير، وقد مثّلوا به:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم