فكلمة "قبله" مستغنى عنها، فهو حشو، ولكن ذكرها لا يفسد المعنى، ومثله قول الآخر في رثاء أخٍ له:
ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب
فلفظ "الرأس" في البيت حشو لا فائدة فيه؛ لأن الصداع لا يكون إلا في الرأس، وليس بمفسدٍ للمعنى، ومما تجدر الإشارة إليه أن الحكم بزيادة كلمة وعدم فائدتها تابع للمقام والحال التي قيلت في جوِّها الكلمة، أن تقطع بعدم الفائدة إلا إذا أحطت بالسياق وعرفت قرائن أحواله، وعندما تتأمل الأبيات التي استشهد بها البلاغيون للحشو غير المفسد- يتضح لك أن تلك الكلمات التي حكوا بزيادتها وحشوها قد أفادت معنى اقتضاه المقام، فتأمل مثلا عبارة: "دمعًا جرى من مقلة" في قول البوصيري:
أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم
مع ما هو معلوم من أن الدمع لا يجري إلا من مقلة العين، فقوله: "من مقلة" حشو لا فائدة فيه، كذا قالوا، وكذا في قول الآخر:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله
وقول الآخر:
عاودني صداع الرأس
تجد أن تلك الكلمات "مقلة، الرأس" قد أفادت تأكيدًا اقتضاه المقام، وهذا التأكيد لا يُفاد بطيها؛ ولذا لا نُوافق من قال: بأنها حشو ولا فائدة فيها، ونحن نقول: ذقته بفمي ورأيته بعيني وسمعته بأذني ووطئته بقدمي، ولا يقول أحدٌ: إن تلك الكلمات "بفمي، بعيني، بأذني، بقدمي" زائدة؛ لأنها أفادت تأكيدًا اقتضاه المقام، واقرأ إن شئت قول الله عز وجل: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ