الذي يعنينا بعد الكلام عن الإيجاز "الإطناب"، وهو في اللغة: مصدر أطنب، يقال: أطنب في كلامه، إذا بالغ فيه وطول ذيوله، وفي عرف البلاغيين معناه: زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، أو عرض المعنى في عبارة زائدة؛ بحيث تحقق الزيادة فائدة، كما في قول الله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (مريم: 4)، فقد أراد زكريا -عليه السلام- أن يخبر بكبره وتقدم سنه، فجعل الألفاظ زائدة على المعاني لفائدة، وهي إظهار ضعفه وتأكيد الوهن؛ لأنه لو قال: رب إني قد كبرت لأفاد ذلك الإخبار بتقدم العمر فقط، دون ظهور الضعف، إذ قد يكون مع تقدم سنه قويّا نشيطًا.

ومن ذلك قول الله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (طه: 17، 18) فقد كان يكفي في الجواب أن يقول موسى -عليه السلام: عصا، ولكنه أطنب وفصّل، فأضاف العصا إليه وذكر وظائفها بعضها مفصلًّا: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي}، وبعضها مجملًا: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}، ولعله كان يطمع في أن يُسأل عن هذه المآرب فيجيب عنها، وبهذا يمتد الحديث ويطول؛ لأنه في مقام رب العزة سبحانه، وهو مقامٌ يحلو فيه الإطناب؛ لأنه مقام تعظيم وتشريف، فالزيادة في الجواب -كما ترى- تحققُ فائدة، فإذا لم تحقق الزيادة فائدة في الكلام كان تطويلًا أو حشوًا؛ وذلك أنها إذا كانت غير مُتعينة كالمترادفين مثلًا نحو: الكذب والمين، والنأي والبعد، وأقوى وأقفر، ونوم ونعاس، وحظ ونصيب- سُميت الزيادة تطويلًا، من ذلك ما جاء في قول عدي بن الرقاع:

وقددت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبًا ومينا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015