وقول زهير:
ومهما يكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
هذا، ولم تسلم هذه الشواهد التي استشهد بها البلاغيون للمساواة؛ لأنك عند التأمل تجدها راجعة إما إلى الإيجاز أو إلى الإطناب، فمثلًا في الآية الأولى إذا رجعت إلى سياقها في النظم الكريم: {اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} (فاطر: 43) تراه قد وقعت تذييلا، والتذييل من أنواع الإطناب، كما أنها أسلوب قصر، والقصر من الإيجاز، وقول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} (الأنعام: 68) وكذا قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشبهات)) لا يخفى عليك رجوعهما إلى إيجاز القِصَر؛ لأن المعاني التي تكمن في الآية الكريمة والحديث الشريف معانٍ كثيرة غزيرة، وألفاظهما قليلة كما ترى، فهو من إيجاز القِصَر كما مر بنا، وتجد في الشطر الأول من بيت طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
إيجازًا بحذف الجار والمجرور، والتقدير: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا به. وفي بيت زهير تجد قوله:
وإن خالها تخفى على الناس
اعتراضًا بين الشرط وجوابه، وهكذا تستطيع أن ترجع ما استشهد به البلاغيون للمساواة إما إلى الإيجاز وإما إلى الإطناب، فالأَولى أن تُجعل المساواة قاصرة على كلام الأوساط؛ لأنها نادرة الوقوع في التعبيرات الجيدة والكلام البليغ، ولأن البلاغيين قد جعلوها خالية من جميع الاعتبارات البلاغية، وقالوا: إنها لا تُحمد ولا تُذم في باب البلاغة.