حذف خبر {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} لدلالة خبر {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} عليه وتعيينه له، والتقدير: واللائي لم يحضن، فعدتهن ثلاثة أشهر كذلك.
ومن ذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (فاطر: 4)؛ حيث حذف جواب الشرط وتقديره: وإن يكذبون فاصبر، ودلت عليه القرينة اللفظية وهي {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}، فهذه الجملة ليست هي جواب الشرط وإنما هي علة لجواب الشرط المحذوف، وفيها تسلية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كي لا يحزن لإعراضهم وتكذيبهم. ومن ذلك قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} (الحديد: 10) فقد دل المذكور من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، على المحذوف، والتقدير: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن أنفق من بعده وقاتل.
وبعد الانتهاء من الكلام عن الإيجاز بأنواعه وأضربه، يأتي دور الكلام عن المساواة:
وهي -على حد ما ذكر البلاغيون- تأدية المعنى المراد بعبارة مساوية له؛ بأن تكون الألفاظ على قدر المعاني، لا يزيد بعضها عن بعض ولا ينقص، وقد اتخذوا من متعارف الأوساط مقياسًا يقيسون عليه الكلام، فالكلام إذا قل عن متعارف الأوساط كان إيجازًا، وإذا زاد عنه كان إطنابًا، وإذا جاء على حد متعارف الأوساط فهو المساواة، وهو في باب البلاغة لا يُحمد ولا يُذم، واستشهدوا لها بنحو قوله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (فاطر: 43) وقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (الأنعام: 68) وقوله -صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشبهات))، وقول طرفة بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود