في ذلك كالجبال، ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرضٍ إلى سواها، بهذا يتضح لك أن الإبل والسماء والجبال والأرض متناسبةً في ذهن البدوي وأخيلة أهل الوبر.
كما أنه قد يتحد كل من المسند والمسند إليه ولا تجد مسوغًا للفصل على نحو ما ترى في قولك: انظر إلى غزارة علم عمرو، وانظر إلى هذا القطع في ثوبك، فمثل هاتين الجملتين لا يجمعهما سياق واحد، لا منفصلتين ولا موصولتين، على الرغم من اتحاد المسند والمسند إليه في كلٍّ منهما، وقد يختلف كلٌّ منهما في الجملتين وتوجد المناسبة المسوِّغة للوصل، على نحو ما ترى في قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} (يوسف: 88) فالمسندُ إليه فيهما الضر، وإخوة يوسف مختلفان لا تناسب بينهما، وكذلك المسندان المس والمجيء، وعلى الرغم من هذا وصلَ بين الجملتين لوجود المسوّغ للوصل وهو أن المسّ سببٌ في المجيء. وهذا -في حد ذاته- من محسنات الوصل؛ إذ من محسناته أن تتناسبَ الجملتان في الاسمية والفعلية، وفي المُضي والمضارعة، وفي الأمر والنهي، وفي الإطلاق والتقييد، انظر إلى قوله تعالى مثلًا: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (الانفطار: 13، 14) تجد تناسب الجملتين في الاسمية، ومنه قول الشاعر:
أُسودٌ إذا ما أبدت الحرب نابها ... وفي سائر الدهر الغيوث المواطر
ومن تناسبهما في المضي قوله تعالى: {فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الأنفال: 26) وقول الشاعر:
أعطيت حتى تركت الريح حاسرةً ... وجُدت حتى كأن الغيث لم يَجُد