ومن تناسبهما في المضارعة قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} (آل عمران: 26)، ومن تناسبهما في الأمر والنهي قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} (الأعراف: 31)، وقوله عز وجل: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير} (لقمان: 17 - 19). ومن تناسبهما في التقييد قول الشاعر:
دنوتَ تواضعًا وعلوت مجدًا ... فشاناك انحدارٌ وارتفاع
وإنما يعد التناسب فيما ذُكر من محسنات الوصف: ما لم يدع داعٍ إلى المخالفة، فلو دعا داعٍ إلى المخالفة كان الحسن في تلك المخالفة التي دعا إليها هذا الداعي واقتضاها المقام، انظر مثلًا إلى قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (النساء: 142) فقد آثر التعبير بالمضارع {يُخَادِعُونَ}؛ ليفيد أن خداع المنافقين حادث متجدد وبالاسم {خَادِعُهُمْ}؛ ليفيد أن فعل الله ثابت ودائم في جميع الأحوال، وفي هذا زيادة في التنكيل والتعذيب، ومن ذلك قوله تعالى: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (البقرة: 87) يقول الزمخشري في بيان السر البلاغي للمخالفة في الآية: "فإن قلتَ: هلا قيل: وفريقًا قتلتم؟ قلتُ: هو على وجهين؛ أن تراد الحال الماضية؛ لأن الأمر فظيع، فأريد استحضاره في النفوس وتصويره في القلوب، وأن يُراد: وفريقًا تقتلونهم بعد؛ لأنكم تحومون حول قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- لولا أني أعصمه منكم". انتهى.