وجملة الأمر أنها -يقصد الواو- لا تجيء حتى يكون المعنى في هذه الجملة لِفقًا لمعنى في الأخرى ومضامًّا له، مثل: أن زيدًا وعمرًا، إذا كانا أخوين أو نظيرين أو مشتبكي الأحوال على الجملة؛ كانت الحال التي يكون عليها أحدهما من قيام أو قعود أو ما شاكل ذلك مضمومة في النفس إلى الحال التي عليها الآخر من غير شك، وكذا السبيل أبدًا، والمعاني في ذلك كالأشخاص، فإنما قلت مثلًا: العلم حسن والجهل قبيح؛ لأن كون العلم حسنًا مضموم في العقول إلى كون الجهل قبيحا، واعلم أنه إذا كان المخبَر عنه في الجملتين واحدًا كقولنا: هو يقول ويفعل، ويضر وينفع، ويسيء ويحسن، ويحل ويعقد، وأشباه ذلك ازداد معنى الجمع في الواو قوةً وظهورًا، وكان الأمر حينئذٍ صريحًا". انتهى.
هذا، وقد اختلف البلاغيون في المتعلَّقات؛ إذ ينبغي أن يعتبر فيها التناسب أيضًا، والصواب أنه لا يعتبر فيها ذلك إلا إذا كانت مقصودة بالذات، ومرادة في الجملتين، كقول الله تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} (غافر: 41)، هذا وقد تكون المناسبة بين الجمل دقيقةً خفية، وعندئذ تحتاج إلى تأمّل السياق ومعرفة قرائن الأحوال به، وانظر مثلًا إلى قول الله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (الغاشية: 17 - 20) تجد أن المناسبة بين الإبل والسماء والجبال والأرض لا تتضح لك إلا بالتأمل وإطالة النظر؛ إذ عند التأمل تعرف أن أهل الوَبر تكون عنايتهم مصروفة إلى الإبل؛ حيث ينتفعون بها في جلّ معاشهم وانتفاعهم بها لا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب، وذلك يكون بنزول المطر، فيكثر تقلب وجوههم في السماء، ثم لابد لهم من مأوى يتحصنون به، ولا شيء لهم