الموضع الثاني من مواضع الوصل بين الجمل: كمال الانقطاع مع الإيهام؛ كقولك لتاجر مثلًا: أتبيع هذه السلعة؟ فيجيبك: لا، وعافاك الله، وقولك لصديق لك: أشُفي والدك؟ فيجيب: لا، ولطف الله به، وقولك: أتاب العاصي؟ فتجاب: لا، ويهديه الله، فبين الجملتين كما ترى كمال انقطاع؛ لأن جملة "لا" خبرية لفظًا ومعنى، والجمل: عافاك الله، لطف الله ب، يهديه الله خبرية لفظًا إنشائية معنى، وكمال الانقطاع يُوجب الفصل بين الجملتين، إلا أن الفصل ها هنا يوهم خلاف المراد؛ إذ يُتوهم أن المجيب يدعو بعدم العافية وعدم اللطف وعدم الهداية، وأنه قد أجاب بجملة واحدة منفية، سُلّطت فيها "لا" على ما بعدها، وليس بجملتين، فدفعًا لهذا الإيهام يجب الوصل بين الجملتين؛ ولذلك إذا اندفع هذا الإيهام بأن يسكت المتكلم قليلًا بعد النطق بالحرف "لا"، أو يذكر الجملة المنفية كاملة فيقول: لا أبيعه، ثم يذكر الجملة الدعائية "عافاك الله" عندئذ يجب الفصل؛ إذ لا إيهام.

إذا وجدت المناسبة أو الجامع المسوّغ للوصل، وكذا عند قصد التشريك في الحكم الإعرابي، فما مراد البلاغيين بهذا الجامع أو بتلك المناسبة إذن؟ يريد البلاغيون بذلك أن يكون المسند إليه في الجملة الأولى بسببٍ من المسند إليه في الجملة الثانية، وكذا المسند فيهما، يقول عبد القاهر: "واعلم أنه يجب أن يكون المحدَّث عنه في إحدى الجملتين بسبب من المحدَّث عنه في الأخرى، كذلك ينبغي أن يكون الخبر عن الثاني مما يجري مجرى الشبيه والنظير أو النقيض للخبر الأول، فلو قلتَ: زيدٌ طويل القامة وعمرو شاعر، كان خُلفًا؛ لأنه لا مشاكلة ولا تعلق بين طول القامة وبين الشِّعر، وإنما الواجب أن يقال: زيد كاتب وعمرو شاعر وزيد طويل القامة وعمرو قصير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015