{تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} لا يقدر على تلك الأضداد إلا الخالق القادر المهيمن ذو السلطان والملك.
ومثال ما اتفقت فيه الجملتان في الإنشائية لفظا ومعنى قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31) فقد اتفقت الجمل {خُذُوا زِينَتَكُمْ} {وَكُلُوا} {وَاشْرَبُوا} {وَلَا تُسْرِفُوا} في الإنشائية لفظًا ومعنى، ومن ثم وُصل بينها، ومما اتفقت فيه الجملتان في الإنشائية معنى، قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البقرة: 83) ففي الآية ثلاث جمل: الأولى {لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ}، والثانية: حذف فيها فعل الأمر وتقديرها: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، والثالثة: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، والجملتان -الثانية والثالثة- إنشائيتان لفظًا ومعنى كما ترى، أما الأولى فخبرية لفظًا إنشائية معنى؛ لأنها تعني النهي؛ أي لا تعبدوا إلا الله، وبهذا يكون اتفاق الجمل الثلاث في الإنشائية في المعنى فقط دون اللفظ.
ومما اتفقت فيه الجملتان في الخبرية معنى قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} (هود: 54) فجملة {وَاشْهَدُوا} إنشائية لفظًا خبرية معنى؛ إذ المراد: إني أشهد الله وأشهدكم، وبهذا يكون اتفاق الجملتين في الخبرية معنى لا لفظًا، وإنما عُدت مثل هذه الجمل توسطًا بين الكمالين؛ لاتفاقها في الخبرية أو الإنشائية مع وجود المناسبة المسوِّغة للوصل، فليست من قبيل كمال الانقطاع الذي عَرَفته، كما أنها ليست من قبيل كمال الاتصال لعدم وجود الروابط والصلات القوية بينها، والتي عرفناها في صور كمال الاتصال؛ ولذا سَمَى البلاغيون هذا الموضع بالتوسط بين الكمالين.