ذكر البلاغيون موضعين للوصل بين الجمل، هما التوسط بين الكمالين وكمال الانقطاع مع الإيهام، والمراد بالكمالين في قولهم: التوسط بين الكمالين كمال الاتصال وكمال الانقطاع، وقد عرّفوه بقولهم: أن تتفق الجملتان خبرًا أو إنشاء، لفظًا ومعنى أو معنى فقط، مع وجود المناسبة المسوّغة للوصل فيما بينهما؛ بحيث لا يمنعُ من العطف مانع، فمثال اتفاقهما في الخبرية لفظًا ومعنى قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (الانفطار: 13، 14) وقوله عز وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (آل عمران: 26، 27).
فقد اتفقت الجملتان: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} في الخبرية لفظًا ومعنى، ووُجدت المناسبة المسوغة للعطف، ولم يمنع من العطف مانع؛ ولذا وُصل بينهما كما ترى، فكذا القول في الآيتين {قُلِ اللَّهُمَّ} إلى آخر الآيتين، ولا يخفى عليك ما يفيده الجمع بين الجمل في الآيتين، من إبراز قدرة الله -عز وجل- في أسمى معانيها، وتأمل: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ} {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}