لذا فصل -أو قل ترك- العطف بينهما لما بين السؤال والجواب من اتصالٍ وثيق وترابط قوي، وخذ عندك قول الله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (يوسف: 30) تجد أن جملة {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} قد أثارت سؤالًا عن سبب تلك المراودة وهو سؤال عن السبب العام، وقد جاء جوابه: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} (يوسف: 30) ثم إن هذا الجواب أثار تساؤلًا آخر فحواه: وما رأيكن في هذا؟ فأجيب: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وتلاحظ أن هذا التساؤل الثاني ليس عن السبب، بل هو عن رأيهن فيما صنعته امرأة العزيز من المراودة الناجمة عن حبها فتاها. وقد يكون السؤال المثار عن السبب الخاص؛ أي عن سبب معين محدد، كما في قول الشاعر:
إذا ما الدهر جرّ على أناس ... كلاكله أناخَ بآخرين
فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيَلقى الشامتون كما لقينا
فقد انبعث من شطر البيت الثاني تساؤلٌ عن سببٍ معين، وكأن سائلًا سأل: لمَ نقول لهم: أفيقوا؟ هل سيلقوا كما لقيتم؟ فأجيب: "سيلقى الشامتون كما لقينا"، ومن هذا قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (يوسف: 53)؛ حيث فصلت: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} عما قبلها؛ لأنها وقعت جوابًا لسؤال تضمنته وهذا السؤال عن السبب الخاص؛ إذ فحواه: لم نُفيت التبرئة عن النفس؟ هل النفس أمارة بالسوء؟ فجاء الجواب: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، ومنه أيضًا قوله عز وجل: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ