عن السؤال المصرح به فإنه يُفصل كذلك عن السؤال المقدر الذي اقتضته الجملة الأولى، وأثارته في ذهن المخاطب.
وقد ذكر البلاغيون أن سبب الفصل عندئذ هو الاستئناف البياني؛ أي شبه كمال الاتصال، وليس لكمال الاتصال الذي مر؛ لأن الجواب ليس بيانًا للجملة الأولى، بل لشيءٍ ينبعث منها وهو السؤال الذي أثارته واقتضته، ومن ثم وقد سمي الاستئناف ها هنا استئنافًا بيانيًّا، وهو غير الاستئناف بالواو أو الفاء، أو الاستئناف بالجملة أي القطع؛ لأنه استئناف يوضّح ويبين جواب السؤال المثار المنبعث من الجملة الأولى، فالجملة الثانية ليست منفصلةً عن الأولى في الواقع ولا منقطعةً عنها، بل مبينة وموضحة لشيء فيها؛ ولذا سُميت الثانية مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. هذا، والسؤال المنبعث من الجملة الأولى قد يكون عن السبب العام، كما في قول الشاعر:
قال لي: كيف أنت قلت: عليل ... سهرٌ دائمٌ وحزنٌ طويلٌ
فجملة "قلت عليل" أثارت سؤالًا عن سبب العلة، تقديره: ما سبب علتك؟ وجاءت الجملة الثانية "سهر دائم وحزن طويل" جوابًا له، أما جملة "قلت عليل" فمفصولة عن السؤال المصرح به قبلها لكمال الاتصال أو لكمال الانقطاع، كما أوضحنا، ومن ذلك قول أبي العلاء المعري:
وقد غرضتُ من الدنيا فهل زمني ... معطٍ حياتي لِغِرٍّ بعدما غرض
جربت دهري وأهليه فما تركت ... لي التجارب في ودِّ امرئ غرضًا
تساؤلًا عن سبب سأمه وضجره، فكأن قائلا قال له: لم تقول هذا ويحك؟! وما الذي جعلك تطوي عن الحياة إلى هذا الحد كشحك؟ فأجاب بالبيت الثاني عن هذا التساؤل المنبعث من البيت الأول:
جربت دمعي وأهليه فما تركت ... لي التجارب في ودِّ امرئ غرضًا