خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (الأنعام: 138، 139) فقد فُصلت الجملتان {سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} عما قبلهما لشبه كمال الاتصال؛ حيث وقعت كلٌّ منهما جوابا لسؤال اقتضته الجمل قبلها، وكأن سائلًا سأل: لم هذه الافتراءات؟ ولم تلك الأوصاف الجائرة؟ هل يُجزون عن ذلك؟ فجاءت الإجابة: {سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ}.
وواضحٌ أن السؤال المثار في الآيتين عن السبب الخاص، وقد يكون السؤال المنبعث من الجملة الأولى من غير سبب، كما في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} (الذاريات: 24 - 28) فقد فُصلت الجمل {قَالَ سَلَامٌ} {قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} {قَالُوا لَا تَخَفْ} عما قبلها؛ لأنها أجوبة لما تضمنته تلك الجمل من أسئلة أثيرت في ذهن السامع، وكأنه سأل: فماذا قال إبراهيم؟ فأجيب: قال سلام، قال: ألا تأكلون، وماذا قالت الملائكة؟ قالوا: لا تخف وبشروه، ومثل هذا كلّ ما تراه في التنزيل من لفظ "قال" مفصولا عما قبله، غير معطوف عليه بعاطف. وإما جاء مندرجًا تحت شبه كمال الاتصال، ومن ثم وجب الفصل بين جملتيه، قول الشاعر:
زعم العوازل أنني في غمرة ... صدقوا ولكن غمرةً لا تنجلي