وانظر في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (الأنعام: 151) وقوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (التوبة: 103) وقوله: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (التوبة: 84)؛ تجد أن الجمل الخبرية: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ} {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ} {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} قد فُصلت عن الجمل الإنشائية قبلها، وهذا الفصل إما أن يكون سببه كمال الانقطاع؛ حيث اختلفت الجملتان خبرًا وإنشاء لفظًا ومعنى، وإما أن يكون سببه شبه كمال الاتصال الآتي بيانه؛ حيث وقعت الجملة الثانية جوابًا لسؤال أثارته الأولى. من ذلك قول الشاعر:
وقال رائدهم ارسوا نزاولها ... فكل حدس امرئ يجري بمقدار
حيث فصل جملة "نزاولها" عن جملة "ارسوا" لكمال الانقطاع، ومثله قولك: لا تدن من الأسد يأكلُك، برفع يأكل. الصورة الثانية: أن تختلف الجملتان إنشاء وخبرًا معنى فقط، وتتفقا لفظًا؛ كقولنا: مات فلان -رحمه الله- وقال عمر -رضي الله عنه- فجملة رحمه الله، ورضي الله عنه كلٌّ منهما خبرية لفظًا وإنشائية معنى؛ لأنهما دُعائيتان؛ ولذا فُصل بين كل منهما وبين الجمل السابقة لاختلاف الجملتين خبرًا وإنشاء معنى فقط، ومن ذلك قول الشاعر:
وقال إني في الهوى كاذبٌ ... انتقم الله من الكاذب
فجملة "انتقم الله" جملة دُعائية، فهي خبرية لفظًا إنشائية معنى؛ ولذا فُصل بينها وبين جملة: "قال: إني في الهوى كاذب".