هذا ويشترط للفصل ألا يوهم خلاف المراد، كما في الأمثلة المذكورة، فإن أوهم خلاف المراد وجب الوصل، كقولك لصديق لك: أشفي أخوك؟ فيجيبك: لا، وعافاك الله. الصورة الثالثة: أن تتفق الجملتان خبرًا أو إنشاء، لفظًا ومعنى، ولكن يُفقد الجامع بينهما؛ أي لا توجد المناسبة المعِينة الخاصة التي تصحح العطف، وذلك نحو قول أبي العتاهية:
الفقر فيما جاوز الكفاف ... من اتقى الله رجا وخاف
فقد اتفقت الجملتان في الخبرية لفظًا ومعنى، ولكن لم توجد المناسبة التي تسوّغ عطف الثانية على الأولى؛ ولذا فُصل بينهما ومثله قول الآخر:
إنما المرء بأصغريه ... كل امرئ رهن بما لديه
فلا يوجد الجامع الذي يصحح عطف الجملتين على الرغم من اتفاقهما في الخبرية لفظًا ومعنى؛ ولذا فُصل بينهما في البيت، ويعني البلاغيون بالجامع أو التناسب بين الجملتين أن يكون المسند إليه في إحداهما بسببٍ من المسند إليه في الأخرى، وكذلك المسند. هذا ما أجمع عليه البلاغيون، والجمهور يرى أن تتوفر المناسبة أيضًا في المتعلقات. الذي نريد أن ننبه إليه الآن هو أن البلاغيين لا يَعنون بفقدان الجامع جواز الجمع بين جمل شاردة متنافرة، لا يتأتى أن يضمها سياق واحد، وأن يُعد الفصل بين تلك المتنافرات مبررًا لوضعها في قران وجمعها في سياق واحد، بل إن مرادهم -كما قلنا مرارًا- لفقدان الجامع المناسبة الخاصة التي أشرنا إليها، لا المناسبة العامة التي ينبغي توافرها بين الجمل سواء عُطفت أو لم تعطف.