ويُعلل الزمخشري ذلك بقوله: "فإن قلت: هل اختلف المعنى بإدخال الواو ها هنا وتركها في قصة ثمود؟ قلتُ: إذا أُدخلت فقد قصد معنيان كلاهما منافٍ للرسالة عندهم؛ التسحير والبشرية، وأن الرسول لا يجوز أن يكون مسحرًا ولا يجوز أن يكون بشرًا، وإذا تُركت الواو لم يُقصد إلا معنى واحد وهو كونه مسحّرًا، ثم قرر بكونه بشرًا مثلهم". كذا في (الكشاف). وكأن أصحاب الأيكة أرادوا أن يُعددوا في مقالتهم الأسباب المنافية للرسالة؛ ولذا أضافوا: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} (الشعراء: 186) فصارت الأسباب ثلاثة: كونه مسحرًا وكونه بشرًا وكونه من الكاذبين، أما ثمود فكأنهم لم يقصدوا تعدادًا لهذه الأسباب؛ ولذا ذكروا سببًا واحدًا وهو كونه مسحرًا، ثم قرروه بكونه بشرًا.
وخذ قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} (هود: 58) وقوله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (الأحزاب: 7) وتأمل، فإنك تجد أن جملة {وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} جاءت مؤكّدة ومقررة للجملة قبلها: {نَجَّيْنَا هُودًا}، وكذا جملة {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} جاءت مؤكدة لقوله: {أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} فبين الجملتين كمال اتصال، وعلى الرغم من ذلك لم تترك الواو، بل جيء بها لغرض لطيف وسر دقيق وهو التنويه بشأن الميثاق والتفخيم والتهويل من شأن العذاب؛ ولذا وَصف كلًّا منهما بالغلَظ، فالعطف بالواو مع الوصف بالغلظ يُوهم أن الميثاق المأخوذ من النبيين صار كأنه ميثاق آخر مغاير للأول، وأن العذاب الذي نُجي منه هود ومن معه صار كأنه عذابٌ آخر غير الأول، وفي هذا ما يُنبئ بعظم الميثاق ويومئ إلى هول العذاب وفظاعته.