ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (آل عمران: 16، 17) وقوله عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} (الأحزاب: 35) إلى آخر الآية، وكان الأولى من ذلك والأجدر أن تهتم الدراسات البلاغية بالبحث عن الأسرار الكامنة وراء الواو، وأن تكشف وتجلي سر مجيئها حين تأتي، وسر تركها حين تترك؛ فهذه الواو تفيد التغاير، وعندما تأتي بين الصفات فإنها تفيد كمال اتصاف الموصوفين بكل صفة منها على حدة.
انظر إلى قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ} (آل عمران: 17) تجد أن الواو دلت على كمالهم في كل واحدة منها، هكذا ذكره الزمخشري في (الكشاف)، وعندما تُترك الواو وتأتي الصفات متوالية بالعطف، فإنها تفيد كمال اجتماعها في الموصوف، خذْ مثلًا قول الله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ} (التوبة: 112) إلى آخر الآية، وقوله: {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ} (التحريم: 5) وتأمل فستجد أن ترك الواو أفاد أن هذه الصفات مجتمعة في الموصوفين، وكأنها صفة واحدة، فذكْر الواو بين الصفات يفيد أنهم كاملون في كل صفة على حدة، وتركها يفيد أنها مجتمعة فيه، كذا ذكره الزمخشري أيضًا. وعلى هذا فقول امرئ القيس:
مِكَرٍّ مفر مقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
يفيد أن هذه الصفات قد اجتمعت في الجواد في وقت واحد، من غير أن تكون مستقلّة متغايرة، ولو أنه قال: مِكر ومفر ومقبل ومدبر لما صح أن يقول: "معًا"، وكذا القول في الآية الكريمة: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} (الواقعة: 2، 3) أي تخفض وترفع في زمنٍ واحد، ويقع منها الفعلان معًا، ولو قيل