الفراق وكرم الممدوح، الأمر الذي يعني أن التناسب والتجانس والتآلف بين الألفاظ ليس مقصورًا على كونها معطوفة، بل لابد من مراعاة النظير بين المفردات؛ سواء أكانت معطوفة أم غير معطوفة.
وقول البلاغيين: إن الصفات لا يُعطف بعضها على بعض إلا إذا كانت متضادة، كما في قول الله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الحديد: 3) أما إذا كانت غير متضادة فإنها تُذكر بالعطف كما في قوله عز وجل: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (الحشر: 23، 24) واتكاؤهم في ذلك على ما جاء في قوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} (التحريم: 5) وأن الصفات قد توالت بلا عطف إلا {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} فقد عطفتا لما بينهما من التضاد، ونظيره كذلك ما جاء في قول الله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة: 112) حيث توالت الصفات بالعطف ما عدا صفتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جاءت الواو بينهما لأنهما متضادان. قولهم هذا تعسف ظاهر، فقد ترد الصفات متضادة وبدون عطف، كما في قوله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} (الواقعة: 1 - 3) وكما في قول امرئ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
كما ترد الصفات غير متضادة ومعطوفة مثل الآية المذكورة: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} (غافر: 3) ومثل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا