أما عطف المفردات -الذي لم يدخله جمهور البلاغيين في باب الفصل والوصل- فلا يخلو هو الآخر من نكات وأسرار؛ ذلك أن القول بأن المفردات يُعطف بعضها على بعض بالواو لمجرد أنها متناسبة متجانسة كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162) باعتبار أن الصلاة والنسك والمحيا والممات أسماءٌ متناسبة، وكذا قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33) فالفواحش والإثم والبغي والشرك والقول على الله ما لا يعلمون ألفاظٌ متجانسة متناسبة.
ومثله قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} (البقرة: 285) فالله والملائكة والكتب والرسل أسماءٌ بينها تناسب وتآلف، وعليه، فهذا الذي ذكره البلاغيون بشأن الاقتصار على الجمل التي لا محل لها من الإعراب، والادعاء بأن المفردات بـ ثم ليس بينها سوى العطف لمجرد كونها متناسبة غير سديد، والأسلم لقائله من البلاغيين أن التناسب بين الألفاظ والتلاؤم والتجانس بين الكلمات مطلوبٌ، سواء أعطفت هذه الكلمات أم لم تعطف، وقد ذكروا ذلك في علم البديع وسمّوه مراعاة النظير، فالمتكلم ينبغي له أن يُراعي التناظر والتجانس والتآلف بين ألفاظه، وألا يُباعد في القول؛ ولذا عاب النقاد قول أبي تمام يمدح أبا الحسين محمد بن الهيثم:
لا والذي هو عالمٌ أن النوى ... صبر وأن أبا الحسين كريم
حيث جمع بين مرارة النوى وكرم أبي الحسين، وهما متباعدان لا تجانس بينهما، والذي أوقع أبا تمام في هذا العيب هو محاولته التخلص من الغزل والانتقال إلى المديح، ولكنه لم يحسن التخلص ووقع فيما وقع فيه من عدم التجانس بين مرارة