نحو: ما جاءني زيد بل عمرو، ما زيد قائمًا بل قاعد؛ ولذا فهي لا تفيد قصرًا، ويرى البعض أن النفي لما قبل بل ولما بعدها فقولك: ما جاء زيد بل عمرو، يفيد نفي المجيء عنهما معًا؛ ولذا فهي لا تفيد القصر؛ لأن النفي والإثبات غير محقق.

والصواب أن بل تفيد القصر في حال النفي خلافًا للإثبات، وتفيد في حال النفي بأنواعه: الإضافي قلبًا وإفرادًا وتعيينًا، والحقيقي تحقيقيًا وادعائيًا، وهذا ما يُفهم من الأساليب والتعبيرات، ولا يمكن دفعه ولا إنكاره، تقول: ما جاء زيد بل عمرو، فيكون قصر صفة على موصوف قصرًا إضافيًا، وتقول: ما زيد قائمًا بل قاعد، فيكون قصر موصوف على صفة قصرًا إضافيًّا، وتقول: ما جاءني أحد بل عمرو، فيكون قصرًا حقيقيًّا، ولا وجه لكون ما قبلها مسكوتًا عنه، ولا لتوجه النفي لما بعدها. ومن شواهد القصر بـ"بل" قول الشاعر:

ليس اليتيم الذي قد مات والده ... بل اليتيم يتيم العلم والأدب

فقد قصر الشاعر اليتيمَ على صفة الحرمان من العلم والأدب، ونفاه عن فقدان الوالد قبل بلوغ مبلغ الرجال، فهو قصر موصوف على صفة قصرًا إضافيًّا، أو إن شئت قلت: قصر قلب؛ لأنه قلب ما هو راسخ في الأذهان من أن اليتيم هو الذي قد مات والده قبل بلوغ سن الرجال، وفيه حث على التزود بالعلم والتحلي بالأخلاق والآداب الرفيعة، ففاقدهما هو اليتيم. و"لكن" تفيد القصر إذا سبقها نفي أو نهي ووليها مفرد، يعني كـ "بل" مثل قولنا: ما أكرمني زيد لكن عمرو، فقد قُصر الإكرام على عمرو ونفي عن زيد، فالمقصور عليه بـ"لكن" هو الواقع بعدها مثل بل تمامًا، وهي صالحة للقصر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015