حياته، ومن تنفير من الذل والهوان والخزي، فلا يقبل مثل هذا ويرضخ به إلا فاقد الحياة. و"لا" صالحة لكل أنواع القصر كما مضى، تقول في قصر الصفة على الموصوف: زهير شاعر لا عمرو، وفي قصر الموصوف على الصفة: زهير شاعر لا كاتب، وفي القصر الحقيقي: زهير شاعر لا غيره، وفي القصر الإضافي: خالد جواد لا عمرو، فيكون قصر قلب أو إفراد أو تعيين حسب اعتقاد المخاطب، على نحو ما مر بنا. فإذا سبقت "لا" بنفي نحو: ما جاء زيد ولا عمرو، أو نهي نحو: لا تفعل هذا ولا ذاك، أو كان المعطوف بها جملة نحو: زيد مِقدام لا أبوه كريم، والفقير يُعطى من الصدقة، لا أحد ينكر هذا، أو كان ما بعدها داخلًا في عموم ما قبلها، نحو: عاد الحجاج لا إبراهيم، ونجح الطلاب لا خالد، يعني اختل شرط من شروط استعمال "لا" للقصر فعندئذ لا تدل على القصر؛ لأنها لا تفيد إثبات أمر لآخر ونفيه عن غيره، كما هو واضح في الأمثلة.
و"بل" تفيد القصر إذا وليها مفرد، وتقدمها نفي أو نهي؛ لأنها في هذه الحال تقرر حكم ما قبلها، وتثبت ضده لما بعدها، فتتضمن النفي والإثبات، وذلك عماد القصر، فقولك: ما جاء زيد بل عمرو، يفيد نفي المجيء عن زيد وإثباته لعمرو، فالمقصور عليه بـ "بل" هو ما بعدها، ويرى البلاغيون أنها صالحة للقصر الإضافي إفرادًا وقلبًا وتعيينًا، ولا تصلح للقصر الحقيقي؛ لأن المنفي معها يكون أمرًا محددًا دائمًا، فإن جاء عامًّا لا يكون منفيًّا، بل يكون مسكوتًا عنه، نحو: ما جاءني أحدٌ بل زيد، فلا تفيد هذه الجملة سوى إثبات المجيء لزيد، أما ما قبل "بل" -وهو أحد- فمسكوت عنه، والمسكوت عنه لا يوصف بنفي ولا إثبات، بل يرى الجمهور أن ما قبل "بل" مسكوت عنه، حتى ولو كان محددًا،