قصر زيد على صفة الشعر قصرًا حقيقيًّا، وتقول: زيدٌ شاعر لا كاتب، فتفيد قصره على الشعر قصرًا إضافيًّا، وتأمل قول أبي تمام:
بيض الصفائح لا سود الصحائف ... في متونهن جلاء الشك والريب
بيض الصفائح: كناية عن السيوف، سود الصحائف: كناية عن كتب المنجّمين، متونهن: يعني جوانبهن، جلاء: يعني كشف وإزالة، الريب: الظنون، يقول: إن السيوف البيضاء هي التي تزيل الشك وتظهر الحقيقة، أما صحائف المنجمين السوداء فإنها تضيّع الحقائق وتنشر الأباطيل، والبيت من قصيدة له في فتح عمورية، فالشاعر هنا قد قصر السيوف التي حققت النصر وفتحت عمورية على كونها بيض الصفائح مشرقة لامعة، ونفى عنها كونها سود الصحائف، فالمقصور عليه -كما ترى- هو المقابل لما بعد "لا"، ثم قصر جلاء الشك والريب على كونه في متون هذه السيوف؛ أي جوانبهن، ونفاه عن كتب المنجمين، وطريق هذا القصر هو التقديم الآتي بيانه، ولا يخفى عليك ما وراء أسلوبي القصر في البيت من توبيخ وتحقير لهؤلاء المنجمين، وما تُخبر به صحفهم، وقد سبق أن ذكرنا ما في قصيدة أبي تمام من قوله:
والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب
وانظر معي إلى قول الآخر:
عمر الفتى ذكره لا طول مدته ... وموته خزيه لا يومه الداني
فقد قصر عمر الفتى وحياته على ما يخلّفه من أثر طيب وذكر حسن، ونفاه عن طول مدته وامتداد أجله في الدنيا، كما قصر الموت على ما يَرضى به بعض الأحياء من خزي وهوان، ونفاه عن اليوم الداني ومفارقة الحياة؛ ولعلك تَشعر بما وراء القصر من حثٍّ على الأعمال الصالحة التي تنفع الإنسان وتبقى بعد