بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن عشر
(تابع: مبحث القصر)
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فنلتقي هذه المرة مع طرق القصر؛ لنتعرف على دقة استعمالاتها، ووجوه دلالاتها على القصر، والفرق فيما بينها:
عرفت -فيما سبق- أن طرق القصر التي اصطلح عليها البلاغيون أربعة: العطف، والنفي والاستثناء، وإنما، والتقديم، وأضاف بعضهم طريقين آخرين وهما توسط ضمير الفصل وتعريف أحد ركني الإسناد بأل، وقد اشتهرت هذه الطرق عند البلاغيين.
وآنَ لنا أن نتعرف على تلك الطرق وما يكمن وراء دلالاتها على القصر من مزايا وأسرار بلاغية:
أولًا: العطف بلا وبل ولكن. تقول: زيدٌ كريم لا عمرو، وفلانٌ جواد لا بخيل، وهو يدعوك إلى الخير لا إلى الشر، وخالد ينصحك مخلصًا لا مرائيًا، وجاء خالد لا عمرو، وليس حاتم بخيلًا بل جواد، ولم ينصحني عمرو لكن صديقه، فتجد أن القصر قد أفيد بأحد الحروف المذكورة، وواضح أن طريق العطف يُصرّح فيه بكل من المثبت والمنفي؛ أي المقصور عليه والمنفي عنه، ولذا كان أقوى طرق القصر وآكدها؛ لأن غيره من الطرق لا يُصرح فيها بالنفي بل يفهم ضمنًا كما سنرى، وعلى الرغم من أن فائدة التأكيد أقوى في هذا الطريق فإن مزية الإيجاز فيه تتضاءل للتصريح فيه بالإثبات والنفي كما قلت.
و"لا" صالحة لكل أنواع القصر، والمقصور عليه بها هو المقابل لما بعدها، ويشترط لدلالتها على القصر: أن يكون المعطوف بها مفردًا، وألا يتقدمها نفي أو نهي، وألا يكون ما بعدها داخلًا في عموم ما قبلها، تقول: زيدٌ شاعر لا غير، فتفيد