أراد: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب، فقدم وأخر حتى جعل المعنى مبهمًا والنظم مختلًّا، ومنه كذلك قول المتنبي:
جفخت وهم لا يجفخون بها بهم ... شيم على الحسب الأغر دلائل
والمراد: جفخت بهم شيم دلائل على الحسب الأغر، وهم لا يجفخون بها، فقدم وأخر، وفصل بين المتلازمين حتى أورث البيت تعقيدًا لفظيًّا، ناهيك عن الغرابة في كلمة جفخت، وكلمة يجفخون، ولو قال: فخرت ويفخرون لأصبح بمنأى عن الغرابة. ومن ذلك أيضًا قول آخر:
أنى يكون أبا البرية آدم ... وأبوك والثقلان أنت محمد
وأصله: أنى يكون آدم أبا البرية، وأبوك محمد، وأنت الثقلان؛ أي الجن والإنس. ومنه كذلك قول الآخر يصف دارا بالية:
فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفرًا رسومها قلما
يريد: فأصبحت بعد بهجتها قفرًا، كأن قلمًا خط رسومها، فاختل نظمه وتعقد تركيبه، وربما ظن بعض الناس أن ضعف التأليف يغني عن التعقيد اللفظي، وهذا غير صحيح لأن التعقيد اللفظي يكون باجتماع أمور تؤدي إلى استغلاق الكلام وصعوبة الوصول إلى معناه، وإن كانت جائزة باتفاق النحاة، كالتقديم والتأخير والحذف والإضمار ونحو ذلك. فالتعقيد اللفظي غير ضعف التأليف، لكنها قد يجتمعان في مثال واحد، كما في بيت الفرزدق: إلى ملك ... إلى آخر البيت، وينفرد ضعف التأليف في مثل: ضرب غلامه زيدًا، وفي مثل: جاءني أحمد بتنوين أحمد، وينفرد التعقيد اللفظي في مثل إلا عمرًا الناسَ ضاربٌ محمد، وهذا جائز نحويًّا، وأصله محمد ضارب الناسَ إلا عمرًا؛ أي أن بينهما العموم والخصوص الوجهي؛ بحيث يجتمعان وينفرد كل منهما على حدة.